في رحاب السيرة النبوية. حادثة تحطيم الأصنام بعد فتح مكة

في رحاب السيرة النبوية. حادثة تحطيم الأصنام بعد فتح مكة

أول شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعد دخوله مكة فاتحاً ومنتصرا: أنه توجه إلى المسجد الحرام، واستلم الحجر الأسود، وطاف بالكعبة التي كان حولها ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل يكسرها وهو يردد قول الله تعالى: “وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً” الإسراء:81، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكةَ وحول البيتِ ستون وثلاثمائة نُصُبٍ، فجعل يطعنها بعودٍ في يده ويقول “جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا” الإسراء:81، “جَاءَ الحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ البَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ” سبأ:49 رواه البخاري. قال ابن حجر في فتح الباري: “فعَل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لإذلال الأصنام وعابديها، ولإظهار أنها لا تنفع ولا تضر ولا تدفع عن نفسها شيئا”. واستكمالاً لتحطيم الأصنام بعد فتح مكة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سرايا لتطهير الجزيرة العربية كلها من هذه الأصنام، ومن هذه السرايا: سرية خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى العُزَّى، وسرية عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى سواع، وسرية سعد بن زيد الأشهلي رضي الله عنه الى مناة، وقد قامت هذه السرايا الثلاث بمهمتها بتحطيم هذه الأصنام الثلاثة “العُزَّى وسواع ومناة”. وكذلك قام المغيرة بن شعبة الثقفي وأبي سفيان بن حرب في هدم “اللات” صنم ثقيف فيما بعد، وبذلك أزيلت أكبر الأصنام المعروفة والموجودة في مكة وما حولها. وفي هذا الموقف النبوي في تحطيمه للأصنام بعد فتح مكة: حماية للتوحيد، وسد للذرائع المفضية إلى الشرك بالله، لأن الشرك إذا حدث وسُكِت عنه وعن الأسباب التي ربما تؤدي إليه، لا يلبث أن يصير في حكم الواقع ومن المسلَّمات، قال السعدي في تفسيره لقول الله تعالى “وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا” نوح:23: “هذه أسماء رجال صالحين لما ماتوا زين الشيطان لقومهم أن يصوروا صورهم لينشطوا ـ بزعمهم ـ على الطاعة إذا رأوها، ثم طال الأمد، وجاء غير أولئك فقال لهم الشيطان: إن أسلافكم يعبدونهم، ويتوسلون بهم، وبهم يسقون المطر، فعبدوهم”. وهذه الأصنام التي قام وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحطيمها ـ بعد فتح مكة ـ ظلت تُعبد من دون الله عز وجل مئات السنين.