في رحاب السيرة النبوية.. الهجرة إلى الحبشة

في رحاب السيرة النبوية.. الهجرة إلى الحبشة

اشتدَّ الأذى على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبات أغلبُهم في وضع صعب التحمل من شدة الأذى والبلاء، خصوصًا الضعفاء منهم، الذين ليس لهم قبيلة قوية تَمنعهم، وقد أشفق النبي صلى الله عليه وسلم لحالهم، فقال لهم: “لو خرجتم إلى أرض الحبشة؛ فإن بهم ملكًا لا يظلم عنده أحدٌ، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجًا مما أنتم فيه”، فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة، وفرارًا إلى الله بدينهم، فكانت أول هجرة في الإسلام، وكان أولَ مَن خرج من المسلمين: عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو حذيفة بن عتبة وامرأته سهلة بنت سهيل، والزبير بن العوام، ومصعب بن عمير، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبي حثمة، وأبو سبرة بن رهم، وسهيل بن بيضاء، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، ويروي أنس بن مالك أن خبر عثمان وزوجه قد أبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدمت امرأة من قريش فقالت: يا محمد، قد رأيت خَتَنَك ومعه امرأته، قال: “على أي حال رأيتهما؟”، قالت: رأيته قد حمل امرأته على حمار من هذه الدبابة وهو يسوقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صحبهما الله إن عثمان أول من هاجر بأهله بعد لوط عليه السلام”، وهذه هي الهجرة الأولى إلى الحبشة، وكان عددهم أحد عشر رجلًا وأربع نسوة، وكان خروجهم في رجب سنة خمس من البعثة، ساروا من مكة إلى ساحل البحر عند الشعيبة، فوجدوا سفينة أقلَّتْهم إلى الحبشة بنصف دينار، وكان عليهم عثمان بن مظعون. ويقول المؤرخون وكُتَّاب السِّيَر: إن النجاشي نفسه قد اعتنق الإسلام واعتنقه معه بعض حاشيته وبطارقته. وهز موقف النجاشي هذا أركان قريش، ونَهْنَهَ من كبريائها، وراحت الأحداث تجري لصالح محمد عليه الصلاة والسلام؛ فقد أخذ المسلمون يزيدون ويقوى ساعدهم، وأسلم حمزة بن عبد المطلب، وعمر بن الخطاب، فزادهم قوة إلى قوتهم، وجعلهم يخرجون إلى الكعبة ويُصَلُّون فيها مجاهرين أمام أندية قريش، وعلى مرأًى ومسمعٍ من طغاتها وكبرائها.