ولد الهادي البشير محمد صلى الله عليه وسلم يتيما، لم يرث عن والده شيئا حيث توفى أبوه شابا صغيرا، وهو حمل في بطن أمه، ثم استرضع في بني سعد، ولما اشتد عوده وبلغ مبلغا يؤهله للعمل، كان يرعى الغنم مع إخوته من الرضاع في بادية بني سعد، وكذلك لما عاد إلى مكة كان يرعاها لأهلها على قراريط. فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم”، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: “نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة” رواه البخاري. كما كان الأنبياء كلهم على هذه الحال من الزهد. فكان إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وكل الأنبياء ورسل الله تعالى قدوة لنا في كل شيء وأيضا في الزهد، فكانوا أزهد الناس في الدنيا.. كذلك فإن رعاية الغنم لها حكمة عظيمة حيث إن رعى الغنم يغلف القلوب بالرأفة والرحمة واللطف، فالغنم أضعف البهائم وأودعها وأجملها… لذا فإن رعايتها تكسب صاحبها العدل والشفافية دائما.
ثم لما شب الهادي البشير صلى الله عليه وسلم عن الطوق أخذ طريق التجارة منهجا لعمله، وكان شريكه في التجارة “السائب بن أبي السائب” وهذا هو الغالب عند الرواة، وذهب بالتجارة لخديجة رضي الله عنها إلى الشام على جُعل يأخذه، ولما شرفت خديجة رضي الله عنها بزواجه صلى الله عليه وسلم، وأصبحت أما للمؤمنين وكانت ذات مال ويسار، عمل في مالها، وكان يأكل من نتاج عمله، وحقق الله تعالى ما امتن عليه به في سورة الضحى حيث قال جل وعلا ” أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ” الضحى: 6 – 8، فآواه وأغناه قبل النبوة والهداية بالنبوة، هداه للكتاب والإيمان، ودين إبراهيم عليه السلام، ولم يكن يعرف ولا يدري ذلك قبل. قال تعالى: ” وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا… ” الشورى: 52.