بعث الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بدين مُوافقٍ للفطرة البشرية، يُراعي حاجاتِ الروح ومَطالبَ الجسد، ويُوازن بين العمل للدنيا والعمل للآخرة، وقد نصَّ القرآن الكريم على هذا التوازن في الكثير من الآيات، ومنها قول الله تعالى: “وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا” القصص:77، قال ابن كثير: “أي: استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة، في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات، التي يحصل لك بها الثواب في الدار الآخرة”. وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ” أي: مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح، فإن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فآت كل ذي حق حقه”. وهدْي نبينا محمَّد صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور والأفعال موافقٍ للفطرة البشرية السليمة، فهو يراعي حاجات الروح ومطالب الجسد، ويوازن بين العمل للدنيا والعمل للآخرة، ولذلك كان من دعائه صلى الله عليه وسلم المأثور والمشهور عنه: “اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادى” رواه مسلم. وكان أكثر دعائه صلى الله عليه وسلم: “اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفى الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار” رواه مسلم. والسيرة النبوية بأحداثها ومواقفها زاخرة بالأمثلة الدالة على الموازنة النبوية بين متطلبات الروح والجسد، ومن ذلك: عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: “آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمانُ أبا الدرداء فرأى أم الدرداء مُبْتَذَلَة -لابسَةً ثِياب رثة تعمل بها في البيت تاركة لزينتهاـ وذلك قبل نزول آيات الحجاب، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما، فقال: كل فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل. فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، فقال: نم، فنام فذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن. قال: فصلينا، فقال سلمان: إن لربك عليك حقا. ولنفسك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان” رواه البخاري.