في رحاب السيرة النبوية.. الرحمة المهداة

في رحاب السيرة النبوية.. الرحمة المهداة

مَنْ تأمل رسالةَ النبي صلى الله عليه وسلم وشريعته المباركة يجدها مبنيةً على الرحمة، بل وسعت رسالتُه صلى الله عليه وسلم برحمتها وعدلِها العدوَّ والصَّديق، والقريب والبعيد، والذَّكر والأنثى، والإنس والجن، وسائر البهائم والعجماوات. قال الله تعالى – في معرض امتنانه على المؤمنين: ” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ” التوبة: 128. فهذا امتنان من الله تعالى على عباده المؤمنين؛ حيث بعث فيهم النبيَّ الأُمَّي الذي من أنفسهم، يعرفون حاله؛ ليتمكَّنوا من الأخذ عنه، ولا يأنفوا من الانقياد له، ومع ذلك هو أشرفهم وأفضلهم، وفي غاية النصح لهم، والسعي في مصالحهم، وفي قراءة صحيحة: ” مِنْ أَنْفُسِكُمْ ” التوبة: 128. أي: من أحسنكم شرفاً ونسباً. ولذا قال: ” عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ ” التوبة: 128: أي: يعز عليه الشيء الذي يُعنِّت أُمَّته، ويشق عليها، يعزُّ عليه أن يرى أُمَّته في غاية الحرج والمشقة، فضلاً أن يُصيبها مكروه أو أذى.

ثم قال: ” حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ” التوبة: 128، وحرصه صلى الله عليه وسلم على أمته يتمثل في حرصه على إيمانهم وهدايتهم وصلاحهم، وحرصه على وصول النفع الدنيوي والأخروي إليهم. ثم خُتِمت الآية بقوله سبحانه: ” بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ” التوبة: 128، فهو صلى الله عليه وسلم شديد الرأفة والرحمة بالمؤمنين، بل هو أرحم بهم من والديهم والناس أجمعين. ولهذا كان حقُّه مُقَدَّماً على سائر حقوق الخلق، وواجب على الأُمَّة الإيمان به، وتعظيمه، وتوقيره، وتعزيره. فقد بعث الله تعالى أنبيائه السابقين عليهم السلام رحمةً لمَنْ آمن بهم واتبعهم من أقوامهم، وأما نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم شملت رحمته العالَمِين، من أتباعه وأعدائه المناوئين؛ ولا عجب، فهو “رحمةٌ مُهداةٌ للعَالَمين”، وتأملوا قولَه صلى الله عليه وسلم وهو يصف رسالته، منادياً جميع الناس: “يا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّمَا أَنا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ” صحيح – رواه الطبراني. فالله تعالى بعثه رحمةً مهداةً للمؤمنين، وكذا للكفار؛ بتأخير العذاب، فمَنْ قَبِلَ هديَّتَه أفلح وظفر، ومَنْ لم يقبل خاب وخسر.