يبدأ الأذى من قِبل الكفار، فيُوصَف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الهدى والنور والضياء والشفاء والرحمة، يُوصَف بأنه شِعر أو سحر أو كهانة، فيُتَّهَم بأنه صلى الله عليه وسلم، مجنون وشاعر وساحر وكاهن، ويأتي الاتهام بالسحر، ومثلُه في سياق العجز والهروب من العقل: ” وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ” الصافات: 36، وبينما يتهمه المشركون بهذه التهم ينفيها عنه رب العالمين: ” وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ” يس: 69، ويستمر مسلسل التعريض والسخرية به صلى الله عليه وسلم: ” وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ” الزخرف: 31، فيشكك في استحقاقه لرسالة ربه سبحانه وتعالى. ويحزن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يعلم أنه على الحق، وأنه يدعو إلى الهدى والنور، فيُواجَه بهذا السيل من التهم والافتراءات، فينزل القرآن مرة أخرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثَبِّتًا له ومؤيدًا وآمرًا له صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يقول الكافرون: ” قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ” الأنعام: 33 – 35. وكان المشركون يشتمون ويسبون النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا يُسمونه مُذمَّمًا بدلاً من اسمه “مُحَمَّد”، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “أَلَا تَعْجَبُونَ كيف يَصْرِفُ اللَّهُ عنِّي شَتْمَ قريشٍ وَلَعْنَهُمْ، يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا، وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا مُحَمَّدٌ!” رواه البخاري. ومن باب السخرية كان المشركون يسألون النبي صلى الله عليه وسلم المعجزات على سبيل التعجيز والاستهزاء حينما يفاجَؤُون بالدلائل والمعجزات؛ فعن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: “انْشَقَّ الْقَمَرُ على عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى صَارَ فِرْقَتَيْنِ على هذا الْجبلِ وعلى هَذَا الْجبلِ، فقالوا: سحرَنَا مُحَمَّدٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَئِنْ كَانَ سَحَرَنَا، فَمَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ” رواه الترمذي.