لَمَّا كانت القدوة حاجة مُلحة تحتاجها النفس البشرية، فإن الله سبحانه وتعالى مِن مَنِّه وكرَمه جعَل لهذه الأمة خير قدوة عرَفتها البشرية على مدار التاريخ، جعَل لها رسوله الأمين وسيد الخلق أجمعين، فقال سبحانه “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ” الأحزاب: 21. فقد جمعت حياة النبي صلى الله عليه وسلم بين الأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، والعواطف النبيلة المعتدلة، والعادات الحسنة، فكل إنسان مهما كانت حاله، ومهما كان عمله، يجد له من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة كاملة وأُسوة حسنة. فأنت أيها المسلم، تجد فيه قدوتك في عبادتك، وقدوتك في معاملتك، وقدوتك في خلقك، وقدوتك في مَلبسك، وقدوتك في مأكلك ومشربك، مهما كانت حالك وعلى اختلاف أطوار حياتك.
فإن كنت غنيًا ثريًّا، فاقتدِ برسولك صلى الله عليه وسلم وهو يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وكان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس صدقة بما ملَكت يده، وكان لا يسأله أحد شيئًا عنده إلا أعطاه إياه، وكان فرحه وسروره بما يعطيه أعظم من سروره بما يأخذه، وكان أجود الناس بالخير، ويمينه كالريح المرسلة، وكان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه تارة بطعامه، وتارة بلباسه وكان ينوع في أصناف عطائه.
وإن كنت فقيرًا معدمًا، فلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة وهو محصور في الشِّعب صابرًا محتسبًا راضيًا بما كتب الله له، وكذلك حاله حين قدم المدينة مهاجرًا من مكة لا يَحمل من حطام الدنيا شيئًا، وحتى في المدينة يمر عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار. وأيًّا ما كنت وفي أي شأن من شأنك، فإنك مهما أصبحت أو أمسيت، وعلى أي حال بت أو أضحيت، فلك في حياة محمد صلى الله عليه وسلم هداية حسنة وقدوة صالحة، تضيء لك بنورها الحياة، ” لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ” الأحزاب: 21.