في رحاب السيرة النبوية.. إحسانه صلى الله عليه وسلم إلى البنات

في رحاب السيرة النبوية.. إحسانه صلى الله عليه وسلم إلى البنات

 

عن عائشة رضي الله عنها قالت: “دخلتْ عليَّ امرأة، ومعها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة واحدة، فأعطيتُها إياها، فقسمتْها بين ابنتيها، ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا فأخبرتُه، فقال: “مَن ابتُلي من هذه البنات بشيء فأَحسَن إليهن، كُنَّ له سِترًا من النار” رواه الشيخان. إنما الذي يعنينا من هذه القصة عناية الإسلام بالبنت، وترغيبه في إكرامها والإحسان إليها، وإعدادها لأن تكون أمًّا صالحة، تبني أسرًا كريمة، وتنشئ أجيالاً سعيدة، من بعد أن أنقذها من حُفر الوأد، وانتشلها من بؤر الذِّلة والمهانة! ففي الحديث جملة من الطرائف يَجمُل بنا أن نشير إليها؛ لما تحويه من معانٍ سامية، وأدب رفيع.

– فمنها: تصدُّق أم المؤمنين رضي الله عنها بالقليل التافه حيث لم تجد غيره؛ حرصًا منها على الخير، ومبالغة في امتثال وصيته صلى الله عليه وسلم لها؛ إذ قال: “لا يرجع من عندك سائل ولو بشق تمرة”؛ رواه البزار من حديث أبي هريرة، وفي ذلك عبرة لمن يمتنع عن الصدقة لقلة ذات يده، فإن العدم أقل من القليل، ورب حَفْنة من البُر والشعير أزكى وأطهر عند الله من آلاف الدراهم والدنانير.

– وفي خُلوِّ بيت النبي صلى الله عليه وسلم أحيانًا، من متاع الدنيا على سَعة ما أفاء الله عليه، درس وعِظة للأغنياء الكانزين، وعزاء وسلوى للفقراء البائسين! ومنها أنه لا حَرَج على أحد أن يذكر بِرَّه ومعروفه قَلَّ أو كَثُر ما سلم قصده من الأمراض النفسية؛ كالمنِّ والفخر والرياء وما إليها، كما هو الظن بالصدِّيقة أم المؤمنين! فأما اختصاص البنات بهذه البِشارة؛ فلِما فيهن من الضعف وانخفاض الجناح وشدة الحاجة إلى الرعاية والتهذيب، أما البنون، فلديهم في أغلب الأحوال من قوة البدن، وجزالة الرأي، واحتمال الشدائد، ما يُغنيهم عن المبالغة في الرِّفق والإحسان، ولعل هذا هو السر في التعبير بالابتلاء مع ما جرت به العادة من استياء الناس بولادة البنات! وإذا كان في حديثه صلى الله عليه وسلم هذا عِظةٌ لمن ابتلي بالبنات، ففي ذريته الطاهرة أكبر العبر والعظات، لقد احتَسَب بنيه كلهم أطفالاً صغارًا، ولم يُجاوِزوا طور الطفولة إلا بناته الفضليات، فأدَّبهن وعلَّمهن وأحسن إليهن.