عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِي” فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا”؛ رواه الشيخان. كما اختصَّ الله خاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين بخصائص ومزايا لم يخصَّ بها أحدًا من قبلَه، ولا عجبَ في ذلك، فنُبوته هي الخاتمة، ورسالته هي الدائمة، وشريعته هي الخالدة، فكانت هذه المزايا والخصائص من أعلام نُبوته التي خُتِمت بها النُبوات والرسالات، ولم يَبقَ من آثارها إلا الرؤيا الصادقة التي أخبرنا أنها جزءٌ من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، فمن هذه الخصائص:
– أن الله تعالى آتاه جوامع الكَلِم، فحديثه صلى الله عليه وسلم الفصل الجَزل البَيِّن، الذي لو عَدَّه العَاد لأحصاه، وقِيل: المراد بجوامع الكَلِم كتابُ الله تعالى، فقد بلغ في جمع المعاني أشرف الغايات، وأكرم النهايات، ولا مانع من إرادة الكتاب والسنة جميعًا، فهما صِنوان لا يفترقان.
– وأنه تعالى نصَره بالفزع والخوف يُلقِيه في قلوب أعدائه بين يدي مسيرةِ شهرٍ؛ كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ولا ريبَ أن قذف الرعب في قلوب العدو من أشد ما يُضعفه ويُزلزله، فيُهزَم شَّر هزيمة.
وإنما حَدَّد الغاية بمسيرة شهر؛ لأنه لم يكن بين بلده وبين أحدٍ من أعدائه أكثرُ من هذه المسيرة، ولقد كانت آثار هذا النصر ظاهرة يتحدث عنها الناس؛ وكانت القبائل تخشى بأسَه، فلا تُجاهره بالعداء.
– ومن هذه الخصائص العظيمة ما وعده الله وبشَّره في رؤياه – ورؤيا الأنبياء وحي – بالفتوح الإسلامية شرقًا وغربًا، وقد حقَّق الله ذلك لأُمته من بعده؛ وفك الشعوب والأمم من أسْر الجهل والضلالة إلى نور الهدى والعلم والإيمان، وكان ذلك عَلَمًا من أعلام نبوته وأثرًا مِن آثار هدايته.