بعد استقرار الوضع الداخليّ في مكة، توجّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخارج لإكمال مهمّة الدعوة والبلاغ، خصوصاً وأن الأنباء قد وصلت إليه أن الروم بدأت بحشد قواتها لغزو المسلمين، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبادرهم بالخروج إليهم،
ويرى ابن كثير أن غزوة تبوك استجابة طبيعية لفريضة الجهاد والدعوة إلى الإسلام، فقال في تفسيره لقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ” التوبة:130. أمر الله تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أولاً فأولا، الأقرب فالأقرب، إلى حوزة الإسلام، ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين في جزيرة العرب، فلما فرغ منهم وفتح الله عليه مكة والمدينة، والطائف، واليمن واليمامة، وهجر، وخيبر، وحضرموت، وغير ذلك من أقاليم جزيرة العرب، ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجا، شرع في قتال أهل الكتاب، فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب، وأوْلى الناس بالدعوة إلى الإسلام لكونهم أهل الكتاب، فبلغ تبوك ثم رجع .. وكان ذلك سنة تسع من هجرته صلى الله عليه وسلم”. نزلت آيات كثيرة من سورة التوبة “براءة” حول غزوة تبوك، ابتداء من الآية 38 إلى قريب من آخر السورة مع وجود آيات أثناء ذلك ليست في ما يتصل بموضوع تبوك. وقد نزل بعض هذه الآيات قبل الخروج للغزوة، وبعضها بعد الخروج، وبعضها بعد الرجوع إلى المدينة المنورة، وقد اشتملت هذه الآيات القرآنية على ذِكْر ظروف الغزوة، وفضل المجاهدين المخلصين، وقبول التوبة من المؤمنين الصادقين، وفضح المنافقين، ولذلك كانت سورة التوبة من أشد ما نزل في المنافقين حتى كانت تُسمَّى: “الفاضحة”، لما كشفت من سرائر المنافقين. فعن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: “قلتُ لابن عباس رضي الله عنهما: سورة التوبة؟ قال: التوبة هي الفاضحة، ما زالت تنزل: ومنهم، ومنهم، حتى ظنوا أنها لم تبق أحداً منهم إلا ذكر فيها” رواه البخاري.