إنها أروع قصص الحب، لقد رحل عن الدنيا، ورأسه على صدرها، وقد خالط ريقُه ريقَها، لعلي قد أمَطْتُ لكم اللِّثام عن المحب والمحبوبة؟ أما المحب فهو محمد صلى الله عليه وسلم، وأما المحبوبة فهي أُمُّنا عائشة رضي الله عنها، إليكم مشهدًا من قصةِ حبٍّ فصولها كثيرةٌ كثيرةٌ. تُحدِّثْنا الصديقة رضي الله عنها فتقول: لَمَّا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طيبَ نفس، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ لِي، فَقَالَ: “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنَبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ، ومَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ”، فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ حَتَّى سَقَطَ رَأسُهَا فِي حِجْرِهَا مِنَ الضَّحِكِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “أَيَسُرُّكِ دُعَائِي؟”، فَقَالَتْ: وَمَا لِي لَا يَسُرُّنِي دُعَاؤُكَ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: “وَاللهِ إِنَّهَا لَدَعْوَتِي لِأُمَّتِي فِي كُلِّ صَلَاةٍ”؛ رواه ابن حبان، وحسنه الألباني، فقد كان الحب والأنس والهناء يرفرف على تلك الحجرات، تأمَّل هذا المشهد، عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِخَزِيرَةٍ قَدْ طَبَخْتُهَا لَهُ، فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ – وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنِي وَبَيْنَهَا-: كُلِي، فَأَبَتْ، فَقُلْتُ: لَتَأكُلِنَّ، أَوْ لَأُلَطِّخَنَّ وَجْهَكِ، فَأَبَتْ، فَوَضَعْتُ يَدِي فِي الْخَزِيرَةِ، فَطَلَيْتُ وَجْهَهَا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَضَعَ بِيَدِهِ لَهَا وَقَالَ لَهَا: “الْطَخِي وَجْهَهَا”، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَهَا، فَمَرَّ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، يَا عَبْدَ اللهِ، فَظَنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَيَدْخُلُ، فَقَالَ: “قُومَا فَاغْسِلَا وُجُوهَكُمَا” رواه النسائي وصححه الألباني. يا لله، ما أجمل هذا المشهد الأسري لخير البشر سيد ولد آدم وهو يملأ بيته أنسًا وحبًّا وسعدًا ومسرة! وهو درس عظيم لنا في أن نشيع الحب والوداد وساعات الأنس في جنبات بيوتنا، هذا هو بيت محمد صلى الله عليه وسلم، وفصول الحب في بيته عليه السلام يطول شرحها، والحديث عنها، فما أجمل أن نملأ حياتنا بالحب والأنس والوداد، وأن نقتنص الفرص لإدخال الفرح والسرور على من نعاشر تأسيًا بحبيبنا صلى الله عليه وسلم!.