أَنَّ العَالَمَ اليَوْمَ يُحْيِي ذِكْرَى النَّكْبَةِ التِي وَقَعَتْ لِإخْوَانِنَا فِي فَلَسْطِينَ، وَهُمْ مِنْ قَبْلِ سِتَّةٍ وَسَبْعِينَ عَامًا يُعَانُونَ مُعَانَاة لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ؛ تَهْجِيرٌ قَسْرِيٌّ، وَقَتْلٌ وَتَشْرِيدٌ، وَإِبْعَادٌ عَنِ الوَطَنِ، نَكَبَاتٌ وَلَيْسَتْ نَكْبَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ عَانَى أَبَاؤُنَا وَأَجْدَادُناَ فِي بِلَادِنَا الجَزَائِرِ وَذَاقُوا قَبْلَهُمْ هَذَا الِإبْعَادَ وَالتَّهْجِيرَ، الذِي كَانَ عَقِبَ ثَوْرَةِ المُقْرَانِي وَالشَّيْخِ الحَدَّادِ سَنَةَ 1871، فَقَامَتْ فَرَنْسَا المُحْتَلَّةُ بِإِبْعَادِ كُلِّ مَنْ أَعَانَ أَوْ سَانَدَ هَذِهِ الثَّوْرَةِ الشَّعْبِيَّةِ المُبَارَكَةِ إِلَى كَالِيدُونِياَ الجَدِيدَةِ البَعِيدَةِ بِالمُحِيطِ الهَادِي، وَهَذَا يَدُلُّنَا أَنَّ عَمَلَ المُحْتَلِّينَ الغَاصِبِينَ وَمَنْهَجَهُمْ فِي الشَّرِّ وَاحِدٌ، وَرَغْمَ أَنَّ الأُمَمَ المُتَّحِدَةَ قَدْ أَقَّرَتْ بِحَقِّ عَوْدَةِ اللَّاجِئِينَ إِلَى دِيَارِهِم التِي أُخْرِجُوا مِنْهَا بِغَيْرِ حَقٍّ؛ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَزَالُ حِبْرًا عَلَى وَرَقٍ، لِاسْتِقْوَاءِ العَدُوِّ الصُّهْيُونِيِّ الغَاصِبِ المُحْتَلِّ بِقُوَى الشَّرِّ العَالَمِيِّ التِي تَحُولُ دُونَهُ وَدُونَ تَطْبِيقِ قَرَارَاتِ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ وَمَجْلِسِ الأَمْنِ ضِدَّهُ. وَبَعْدُ أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ، فَإِنَّ صَوْتَ الأَحْرَارِ فِي العَالَمِ كُلِّهِ اليَوْمَ، وَخَاصَّةً فِي الدُّوَلِ الغَرْبِيَّةِ لَيَتَكَلَّمُ بِقُوَّةٍ أَنَّ التَّهْجِيرَ القَسْرِيَّ اليَوْمَ لِلْفَلَسْطِينِيِّينَ مَرْفُوضٌ كُلَّ الرَّفْضِ، وَأَنَّ مَا يَجْرِي اليَوْمَ فِي غَزَّةَ “سَيَبْقَى وَصْمَةَ عَارٍ فِي جَبِينِ الِإنْسَانِيَّةِ”، وَنَقُولُ لِإخْوَانِنَا المُشَرَّدِينَ وَالصَّامِدِينَ الصَّابِرِينَ المُقَاوِمِينَ غَطْرَسَةَ الصَّهَايِنَةِ وَمَنْ أَعَانَهُمْ مِنْ قِوَى الشَّرِّ: يَا مَنْ شُرِّدتُّمْ فِي أَصْقَاعِ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقٍّ، لَا تَيْأَسُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللهَ وَعَدَ الذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ لأَجْلِ اللهِ أَنْ يَنْصُرَهُمْ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَأَنْ يَرُدَّهُمْ وَيُعِيدَهُمْ إِلى دِيَارِهِمْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: “أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ”. وَوَعَدَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ بِجَنَّاتٍ عَرْضُهَا الأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: “فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ”. إِنَّ الأَرْضَ لله يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَقَدْ وَعَدَ سُبْحَانَهُ، وَوَعْدُهُ لَا يَتَخَلَّفُ، فَقَالَ: “وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ”. وَقَدْ أَخْبَرَنَا المَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ القَصَصِ أَنَّهُ رَدَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى أُمِّهِ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ فُؤَادُهَا فَارِغاً خَوْفًا عَلَيْهِ، ثُمَّ خَتَمَ هَذِهِ السُّورَةَ العَظِيمَةَ بِبِشَارَةٍ مُشَابِهَةٍ لَهَا لِنَبِيِّنَا مُحَمّدٍ صلى الله عليه وسلم، بِقَوْلِهِ لَهُ: “إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ”. وَهِيَ رِسَالَةُ أَمَلٍ وَتَأْكِيدٍ لإِخْوَانِنَا الفَلَسْطِينِيِّينَ وَمَنْ عَانَى مِثْلَهُمْ، أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وَأَنَّ بَعْدَ العُسْرِ يُسْرًا.
الجزء الثالث والأخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر