قال تعالى: ” وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ” الشمس: 7 – 10. هناك فرْقٌ بين الرُّوح والنفْس؛ فالنفْس مُستودَع الغرائز، ومُستَقرُّ الشَّهوات والنزَعات التي تُحرِّك سلوك الإنسان وتدفعه إلى فعْلِ الخَير أو الشرِّ؛ قال تعالى: ” وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ” النازعات: 40-41، وقال تعالى: ” وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ” السجدة: 13، وقال تَعالى: ” وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ” الشمس: 7-8، وقال تعالى على لِسان سيِّدنا يوسفَ: ” وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ” يوسف: 53. كذلك النفْسُ تَموت بمفارَقتها الجسد؛ قال تعالى: ” اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ” الزمر: 42، وقال تعالى: ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ” آل عمران: 185. أما الرُّوح فإنَّها مِن عند الله لا تَضلُّ ولا تَشقَى، ولا تَموت ولا تَفنى، ولكنَّها تَحيَا حياتها البرْزخيَّة.
واقتضَتْ حكمَتُه سبحانه وتعالى أن يُرتِّب تصرُّفه مع خلْقِه وَفْق تصرُّفهم مع أنفُسِهم؛ فإن بدؤوا بالهِدايَة وفَّقهم إلى طَريقها وأمدَّهم بأسبابها؛ ” وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ” محمد: 17، وإن بدؤوا بالزَّيغ والفَساد قادَهم إلى طريقه؛ ” فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ” الصف: 5، وكما أنَّ الإنسان مُزدَوج الخِلقَة فهو مُزدَوج المُيول والاستِعداد؛ عندَه استِعدادٌ للشرِّ، وعنده استِعدادٌ للخَير. فمَن حمَل نفْسَه على الطَّاعة وطهَّرها مِن الذنوب والآثام فقد زكَّاها؛ ” قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ” الشمس: 9. ومَن دسَّ نفْسَه وأخْفاها عن طَريق الخَير، وسلَك بها طريق الشرِّ وطاوَع دواعي الانحِراف، فقد أنقصها قدْرَها، ونقَلها مِن عالمَ الإنسانِ إلى عالَم الحيَوان الأعْجَم، وضاعَ منه امتيازه الذي ميَّز الله به الإنسان؛ ” وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ” الشمس: 10.