في تزكية النفوس

في تزكية النفوس

 

إنَّ تزكية النُّفوس هي من الغايات التي بُعِث بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهدفٌ عظيم من أهداف الرِّسالة؛ يقول الله عزَّ وجلَّ: ” لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ” آل عمران: 164. وقال عزَّ وجل: ” كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ” البقرة: 151. وقد علَّق الله تعالى فلاحَ العبْد على زَكاة نفسه بعد أن أقْسَم أحدَ عشر قَسمًا فقال سبحانه: ” قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ” الشمس: 9، 10، فأقسم سُبحانه على فَلاح من زكَّى نفسَه وعلى خُسران من أهْمل ذلك. وفي صحيح مسلم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: “اللهمَّ آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها”. ودرجات الجنَّة العُلى جزاء مَن تزكَّى، يقول اللهُ تعالى: “وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ” طه: 75، 76. فتزكية النفوس تشمل المعنيين:

الأمر الأول: وهو التَّخلية، يُقصد بها: تطهير النَّفس من أمراضها وأخلاقِها الرَّذيلة؛ كتطهيرها من الشِّرك والرِّياء، والعجبِ والكِبْر، والبغضِ والحسَد، والشحِّ والبخل، والغضب، وغيرِها من أمراض القلوب التي تَقطع طريقَ المرء إلى الله عزَّ وجل، وتمكِّن الرَّانَ من قلبه، وكما يقال: التخليةُ مقدَّمة على التحلية.

الأمر الثاني: وهو التحلية؛ فهي ملؤها بالأخلاق الفاضِلةِ، وإحلالُها محلَّ الأخلاق الرَّذيلةِ بعد أن خليَت منها؛ كتحليتِها بالتوحيد بعد تخليتها من الشِّركِ، والإخلاصِ بعد تخليتها من الرِّياء، والصَّبرِ بعد تخليتها من الجزَع، والتوكُّل بعد تخليتها من التواكُل، والإنابة، والتوبة، والشكر، والخوف والرجاء، وحسن الخُلُق في التعامل مع الناس، وكل وصفٍ يقود إلى رضوان الله والقربِ منه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ” والزكاة في اللغة النَّماء والزيادة في الصَّلاح، يقال: زكا الشيء إذا نما في الصَّلاح، فالقلب يَحتاج أن يتربَّى فيَنمو ويزيد حتى يَكمل ويصلح.