تقوم وزارة السياحة والصناعات التقليدية بعدة نشاطات وبرامج قصد النهوض بقطاع الصناعات التقليدية، من بينها إقرار سبل جديدة للتسويق تسمح للحرفيين بالترويج لحرفهم ومنتجاتهم، وهو ما يضفي لمسة إضافية
للقطاع السياحي، وكان آخرها دراسة مقترح إمكانية تزويد السفارات الجزائرية في الخارج بالمنتجات الحرفية للجزائريين، إلا أنّ هذا المقترح يراه البعض غير كافي، خاصة وأنه لا يمكن إعطاء فرصة المشاركة لكل الحرفيين وحصرها في فئة دون أخرى.
عبّر عدد من الحرفيين المشاركين في فعاليات الصالون الدولي للصناعة التقليدية الذي اختتم، مؤخرا، بقصر المعارض، عن ارتياحهم لكل المقترحات الجديدة التي تعمل وزارة السياحة والصناعات التقليدية على إقرارها من أجل دعم هذا القطاع، إلا أن مشكل التسويق كان ولا يزال العائق الدي يواجه الصناعة التقليدية في الجزائر، وهو ما دفع عدد منهم إلى خلق طرق جديدة لبيع حرفهم رغم عدم رضاهم عنها، إلا أنها تعتبر ـ حسبهم ـ الحل الوحيد بالنظر إلى قلة المعارض المحلية التي تقام على المستوى الوطني.
من التفكير في إنعاش السياحة إلى التفكير في التسويق
يرى بعض الحرفيين أنه لا ينبغي أن يتم ربط التسويق بالمعارض، لأنها تبقى غير كافية، وهو ما دفع البعض لربط علاقات مع التجار وأوقع البعض – حسب تعبيرهم- تحت رحمة التجار الذين لا يعرفون قيمة هذه الحرف التراثية، وينظرون إليها على أساس أنها سلعة كغيرها – حسب قولهم دائما-، إلا أن الحاجة هي التي تدفع بالحرفي إلى التعامل مع التجار، لتسويق المنتوج، خاصة وأن الحرفي يعتمد في دخله على ما يبيع، وبالتالي لا يفكر في التوجه نحو إنعاش السياحة، لأن انشغاله يظل منحصرا في كيفية البيع للاسترزاق، مشيرا إلى أن الاقتراحات التي جاءت بها وزارة السياحة في مجال التسويق والترويج، تخدم كلها الحرفي وتدعمه، غير أن الفرصة لا تمنح لكل الحرفيين، الأمر الذي يجعل أغلبهم لا يستفيدون من هذه الامتيازات.
ويعتبر الحرفيون خاصة المختصون في النحاس التعامل مع التجار فرصتهم لتسويق منتجاتهم، وهو ما ذهب إليه الحرفي “حسان” الذي تفوق خبرته الثلاثين سنة، حيث يقول إنه اهتدى بعد أن واجه الكثير من الصعوبات فيما يخص تسويق الأواني النحاسية التي يصنعها، إلى التوجه نحو ربط علاقات مع تجار يقتنون منتجاته بالجملة، مشيرا إلى أن الصناعات النحاسية تعرف في السنوات الأخيرة انتعاشا رغم قلة المادة الأولية، وهو الأمر الذي تفطّن له بعض التجار الذين اتّجهوا إلى الاستثمار في مجال الصناعات النحاسية، من خلال الاستحواذ على الحرفيين، موضحا أنه أفنى حياته في صناعة النحاس، ولم تمنح له فرصة العرض خارج الوطن، الأمر الذي جعله يكتفي بالإنتاج بغرض البيع فقط.
من جهته، قال “علي” المختص في النقش على النحاس، إن التسويق ورغم أنه من أكبر الإشكالات التي يعانيها الحرفي، إلا أنه وجد لنفسه طريقة لتسويقها للعائلات العريقة التي تقدّس الصناعات النحاسية وتقتني منه بكميات كبيرة، أما عن المعارض فيقول إن عدم مشاركة الحرفيين في المعارض التي تقام خارج الوطن، يجعل حظوظ إنعاش السياحة بالاعتماد على الصناعة التقليدية قليلة جدا، رغم الطلب الكبير علينا، حيث نتلقى الكثير من الطلبات لبيع المنتوج في كل من تونس والمغرب، غير أن القيود الجمركية تحول دون تمكيننا من تحمل أعباء التنقل والعرض والبيع.
الصالون الدولي فرصة لربط العلاقات والتسويق أيضا
من جهتهم، يسعى حرفيو الزرابي التقليدية أيضا إلى إيجاد سبل جديدة تمكنهم من تسويق إنتاجهم، بالنظر إلى قلة المعارض الوطنية، وهو حال الحرفي “مصطفى” من ولاية غرداية، الذي قال بأن الحرفي لا يواجه أي إشكال في كل مراحل صناعة الزربية إلى غاية الوصول إلى التسويق، حيث ينتظر الحرفي الموعد السنوي الذي يضربه لنا المعرض الدولي للصناعة التقليدية، خاصة أن الزربية تستغرق وقتا طويلا لإنهائها، بالتالي يعتبر فرصتنا الكبيرة للتسويق”، مشيرا إلى أنه بعيدا عن المعارض، يتم الاعتماد على العلاقات الشخصية التي سبق للحرفي أن ربطها مع بعض الزبائن، من محبي الصناعات التقليدية، حيث يستغل الحرفيون فرصة المعارض لتوزيع أرقام الهواتف على الزبائن الذين يزورون المعرض ويعجبون بزربية غرداية، وإن حدث ورغبوا في الشراء، نتكفل بكل نفقات نقلها إلى صاحبها في أي مكان كان، المهم أن نتمكّن من ربح زبون وتسويق المنتج.

الصالون مرة وحيل فردية طيلة أيام السنة
باعتبار أن الزرابي التقليدية تستغرق وقتا طويلا حتى يتم الانتهاء منها، يعتمد الحرفيون المختصون في الزرابي على الصالون الدولي الذي يقام مرة واحدة في العام، حيث يعتمد العارضون على ما يجود به زوار المعرض، أما بعيدا عن المعرض فيعتمد كل حرفي طريقته في تسويق منتوجه، الحرفية “غنية” بدورها تعتمد على بعض الحيل لتسويق منتجاتها المتمثلة في التقاط صور للزرابي والترويج لها، لأن الحرفي في الجزائر لا يملك مورد رزق آخر، بالتالي التفكير في تسويق المنتج يعتبر من الانشغالات التي لا يتوقف عن التفكير فيها. بالمناسبة، تقترح الحرفية أن تتكفل الجهات المعنية بسوق إنتاج الزرابي ودعمها من خلال إنشاء مصانع تقليدية، خاصة أن اليد العاملة والمادة الأولية متوفرة، لأن الزرابي التقليدية تسير نحو الانقراض، بسبب هجر بعض الحرفيين لها.
نفس الانطباع لمسناه عند “نسيم” حرفي في النسيج، والذي يعد رائدا في مجال الصناعات النسيجية، وحول التسويق، أشار المتحدث إلى أن الوسيلة التي اعتمدها لتسويق إنتاجه، هي التعريف بصناعته التقليدية من خلال المشاركة في المعارض القليلة التي تتاح له فرصة العرض فيها، حيث لا يجري التركيز على البيع بقدر التشهير لنوعية المنتج، وبهذه الطريقة، يقول إنهم تمكنوا من استقطاب بعض الزبائن الذين تحولوا إلى أوفياء لمنتجاتهم، أما عن التفكير في إنعاش قطاع السياحة عن طريق الصناعة التقليدية فيظل مطلبا غير قائم، لأن الحرفي دائما يحمل انشغال التسويق، وعندما يجري التكفل بهذه المسألة، يتفرغ الحرفي للتفكير في كيفية ترقية صناعته وجعلها تساهم في إنعاش الفعل السياحي.
التفعيل الميداني هو ما ينتظره الحرفيون
صناعة الأواني الخشبية هي الأخرى تمتلك حرفيين امتهنوها أبا عن جد، ولعل ما جعل هذه الحرفة تنتعش هو امتلاكها لأنواع مختلفة من الأخشاب التي يجري تحويلها إلى أوان من النوعية الرفيعة، إلا أنه، حسب الحرفيين، وبعيدا عن المعارض، يعتمد الحرفي على المجهود الشخصي للتسويق، الأمر الذي يؤثّر نوعا ما على إنتاجه، لأن المفروض أن الحرفي يتفرّغ للعمل، بينما يتكفّل آخرون بمهمة التسويق، إلا أن الحرفي في الجزائر هو الذي يبدع ويجمع المادة ويفكر في التسويق، الأمر الذي يجعل تفكيره منصبا في عمله ولا يتطلّع إلى تطوير حرفته، لجعلها موردا يساهم في إنعاش السياحة، وفي هذا السياق، يقول الحرفيون إن تكلفة العمل والترويج أرهقت الحرفي وجعلته يفكّر فقط في كيفية البيع للاسترزاق، هذا وينتظر الحرفيون تفعيل بعض الحلول التي تم اقتراحها، على غرار العرض بالفنادق بهدف الترويج، التي تظل غير مفعّلة ميدانيا، لأن أصحاب الفنادق يفرضون بعض الشروط المجحفة التي لا تمكّن الحرفي من المشاركة في إنعاش السياحة، كأن يمنح صاحب الفندق للحرفي مكانا ضيقا ويطلب منه ترك بعض منتجاته فقط والمغادرة، وهذا ما يجعل الحرفي يستغني عن الفكرة.