– مساعٍ جادة من الدولة لحمايتهم والأسرة المسؤول الأول عنهم
تحيي، الجزائر، غدا، السابع والعشرين من شهر أفريل، اليوم الوطني للمسنين، وقد تم اعتماد هذا اليوم، بعد أن وافقت الحكومة الجزائرية ومجلس الوزراء عليه، في مناقشة البرلمان للمشروع التمهيدي للقانون
المتعلق بحماية الأشخاص المسنين، ومن ثم دخل حيز التنفيذ بعد مصادقة البرلمان عليه ونشره بالجريدة الرسمية.
ويعد هذا اليوم، يوما رمزيا للاحتفاء بفئة يفترض أن يحتفى بها طيلة أيام السنة،وليس بأيام وطنية ولا بحفلات مناسباتية تمنح المسن شعورا مؤقتا بالاهتمام والدفء.
وإن كان ديننا الإسلامي الحنيف، وأعرافنا وتقاليدنا المحافظة، تحث على توقير الكبير وبر الوالدين، إلا أن هذا لم يمنع من انتشار ظاهرة وضع المسنين في دور خاصة، وإن كانت هذه الدور قد أنشئت لفائدة من لا مأوى لهم، إلا أن الأمور أخذت منحى آخرا بقيام بعض الأبناء بوضع آبائهم فيها.
اختلفت التفاصيل وتوحدت النتائج
أبناء تركوا آباءهم ليتفرغوا لمشاغل الحياة
يتعجب كل من يسمع بابن أو ابنة رمى بوالديهما في دور العجزة لأسباب تختلف حسب الحالة والوضعية، فهناك من وجد أن الاعتناء بالوالدين أمر شاق والبعض الآخر أراد الاستيلاء على ما يملكانه خاصة المنزل، فتخلص من والديه واصطحبهما إلى دار العجزة، في حين هناك من انصاع لرغبة زوجته بعدما رفضت أن تخدم والديه باعتبار ذلك غير واجب عليها، هي قصص اختلفت تفاصيلها وتوحدت نتائجها.
وتخفي دور العجزة خلف أسوارها الكثير من القصص والحكايات لآباء وأمهات صاروا غير مرغوب بهم في منازلهم، وغير مرحب بهم من طرف أبنائهم لأسباب تعددت واختلفت “الموعد اليومي” قامت بجولة لدور العجزة، وحاولت الحديث مع بعض المسنين المقيمين بها ومعرفة قصصهم، أول ما تلاحظه أن هؤلاء المسنين لا يستطيعون حبس دموعهم وهم يروون قصصهم التي تجعل القلوب تنفطر ألما، وما يُلاحظ أن المسنين ممن لا أبناء لهم كانوا أكثر هدوء وانفعالا ممن رماهم أبناؤهم، بل كانوا يواسونهم ويخففون عنهم آلامهم.
مسنات يرفضن ذكر أسمائهن خوفا على سمعة أبنائهن
الحديث مع جل المسنات بالدار كان مشروطا بعدم ذكر أسمائهن الكاملة، وفي بداية الحديث أجهشت إحدى المسنات بالبكاء قائلة: “لا أريد لابني أن يقرأ اسمي، فربما يؤثر ذلك على سمعته”، مؤكدة بذلك عاطفة الأمومة التي لا تزال تفكر في ولد لا يسأل عنها.
وحين اطمأنت النسوة إلى أن أسماءهن لن تذكر احتراما لرغبتهن، مسحت إحداهن دموعها وقالت: “أنا مرتاحة هنا وجميع العاملين أبنائي”، مضيفة “جاء بي ابني إلى هذا المكان قبل سنوات ولم أكن أعرف أنه سيرميني هنا إلى الأبد، فقد قال لي وقد حمل حقيبة صغيرة إنه سيأخذني في زيارة، وإذا بي هنا في هذه الدار”، “الحقيقة أنني كنت غاضبة حين غادر ابني وتركني، ولكن بعد أيام وحين وجدت الراحة هنا فرحت، فزوجة ابني لا تريدني أن أكون في بيتها وابني ضعيف الشخصية أمامها وأنا امرأة عجوز لي طلباتي الخاصة في نوعية الأكل والشرب والدواء، فمن في سني لا يمكن أن يكون خاليا من المرض لاسيما وأننا مررنا بأعوام عجاف أيام الاستعمار”، كما أضافت هذه المسنة.
من جانبها، قالت أخرى رافضة الإفصاح عن اسمها إن لديها ابنتان متزوجتان ولكنهما لا يأتيان لزيارتها إلا قليلا، “لقد أتيتا بي إلى هنا بعد أن ضقت درعا من إساءة معاملتي من طرف زوجيهما”، وهنا تدخلت إحدى المرشدات، مبرزة أن “أغلب النزيلات ما يزال قلبهن ينبض بحب الأبناء رغم أنهم لا يزورون آباءهم أو أمهاتهم وكأنهم قطعوا الصلة بهم نهائيا، فتحولوا إلى أبناء عاقين”، تم الاستماع إلى قصص الكثيرات وكلما تم التوقف بجناح أو مضجع أو صودفت حالات، بدا ما في جعبتها أكثر مأساوية من الأخرى، إلا أن القاسم المشترك بينها – حسب المرشدة- هو “الحزن والأسى وقسوة الظروف أو الإحساس بنكران الجميل”.
حلت ساعة مغادرة الدار بعد قضاء سويعات مع ساكناته أثيرت خلالها مواجع بعضهن، ونفست أخريات بالفضفضة عما يقض مضجعهن وهن يوصين في نهاية الزيارة بإيصال رسالة مفادها “بر الوالدين” بكل ما تحمله هاتين الكلمتين من معان.
جمال شعلال مدير دار العجزة بسيدي موسى:
“دار العجزة لا تجبر أحدا على المغادرة”
تحدث السيد جمال شعلال، مدير مركز العجزة، بسيدي موسى، عن عدد المسنين الذي يحتضنهم المركز، والذي يبلغ 271 مسن، من بينهم 174 امرأة، و124 مريضا عقليا، قادمون من 39 ولاية من الوطن، يقوم المركز بالتكفل بهم، كل حسب حالته، وهذا بتأطير من الطاقم البيداغوجي للمركز. وعن الحالة النفسية التي يكون عليها المسن عند دخوله المركز، يقول السيد شعلال:”على العموم، إن الذي يدخل إلى الدار، ينتابه شعور بالخوف، كون أن هذا العالم مجهول بالنسبة إليهم، وهو محتم بحكم أنهم لا يملكون خيارا ثانيا، وبالتالي تعمل إدارة المركز على كسب ثقة المسن، حتى نتعرف عليه وعلى حالته العائلية، لنفتح تحقيقا في النهاية انطلاقا من المعلومات التي يزودنا إياها، لنقوم في الأخير، بمحاولة إعادة إدماجه”.
وعن الأسس التي يتم اعتمادها لإبقاء المسن داخل المركز، تحدث جمال شعلال، بأن التحقيق الذي يكون بالتنسيق مع مختلف ولايات الوطن، هو الذي يسفر على إبقاء المسن أو إخراجه من المركز، وإن كان هذا الأخير، رافضا العودة إلى أهله، فلا يمكننا إجباره، لأنه سيعاود الخروج ثانية.
قرار وزاري يحدد قائمة الإعانات للمسنين
أصدرت وزارة التضامن الوطني والأسرة قرارا وزاريا، نُشر في الجريدة الرسمية، تم بموجبه تحديد قائمة الإعانات العينية الاجتماعية المنزلية والصحية لفائدة الأشخاص المسنين والمتكفلين بهم.
ويرمي هذا القرار إلى تحديد قائمة الإعانات العينية الاجتماعية المنزلية والصحية الموجهة لفائدة الأشخاص المسنين والمتكفلين بهم تطبيقا لأحكام المادتين 9 و11 من المرسوم التنفيذي 16-186 المؤرخ في 22 جوان 2016 والمادتين 4 و 5 من المرسوم التنفيذي 16-294 المؤرخ في 9 نوفمبر 2016 وكذا المادة 3 من المرسوم التنفيذي 16-283 المؤرخ في 2 نوفمبر 2016.
ويركز هذا القرار على “الإعانات العينية لفائدة الأشخاص المسنين المحرومين في وضعية تبعية والفروع المتكفلين بأصولهم الذين لا يتوفرون على إمكانيات مادية ومالية كافية، لا سيما إعانات مادية واقتناء التجهيزات الخاصة”.
كما يحدد القرار “الاعانات الاجتماعية المنزلية لفائدة الأشخاص المسنين، لا سيما من يعانون من حالات وأوضاع مزرية سواء بروابط أسرية أو دونها والأشخاص المسنين المحرومين في وضعية تبعية”.
وتشمل الاعانات الاجتماعية -كما جاء في المادة 3 من هذا القرار- “كل الخدمات المقدمة بالمنزل لفائدة الشخص المسن ذات طابع اجتماعي وصحي ونفسي، لا سيما ترتيبات الإعانة بالمنزل، خصوصا المساعدة على النظافة والهندمة اليومية، المساعدة في الأعمال المنزلية، المرافقة الاجتماعية والنفسية والإدارية والخدمات الصحية”.
وبمقتضى المادة 4 من القرار، تستفيد عائلات الاستقبال وأشخاص القانون الخاص المتكفلون بالأشخاص المسنين المحرومين و/ أو دون روابط أسرية، من دعم الدولة في مجال الخدمات المقدمة في إطار المرافقة الاجتماعية والنفسية والإدارية وكذا الخدمات الصحية.
دور العجزة لا يمكن لها أن تكون بديلا
بالرغم من الجهود المبذولة من قبل الدولة، في سبيل حفظ ورعاية المسن، خاصة، داخل دور المسنين، ولعل خير مثال يضرب به، ما حققته إدارة “دار العجزة” بسيدي موسى، من مرافق الراحة والمتعة، كمحاولة منها لتقريب المقيم من الجو العائلي، وعدم تحسيسه بالغربة، حيث كشف جمال شعلال عن مشروع إنشاء مزرعة حيوانية كبيرة، بهدف الاستفادة من خبرة المسنين في هذا المجال، وتحسيسهم من ناحية أخرى بأنهم أعضاء فاعلون داخل المجتمع يمكن التعويل عليهم.
من جهة أخرى، أكد شعلال على أنه، ومهما بلغت ذروة المركز، في تحقيق وتجسيد مختلف المرافق المادية، وإعطاء مشاعر معنوية، إلا أنه لا يمكن له أن يكون أبدا، بديلا عن الأسرة، التي هي ينبوع العاطفة والحنان، على اعتبار أنها الأصل، وتحسس هذه الفئة الهشة من المجتمع، بأن الأمور الطيبة التي سعوا إلى تحقيقها طيلة حياتهم حصدوا ثمارها.
بالرغم من إعانات الدولة، الأسرة هي المسؤول الأول
إن واجب أفراد الأسرة بأكملها، يستوجب عليها، في الدرجة الأولى أن تواصل واجبها، في رعاية أشخاصها المسنين، وحفظ كرامتهم، تحت دائرة التكفل الاجتماعي، الذي عليها أن تنميه باستمرار نحو فئة من المفروض أنها أفنت عمرها لأجل أن تجد في آخر مطاف عمرها.
ذلك أن الأسرة، هي المستأمن الوحيد، للتكفل بالعجزة، الذين تربطها بهم علاقة وطيدة تمتد من الفروع إلى الأصول، لتبقي هذه العلاقات من مسؤوليات الأسرة قائمة، بالرغم من الإعانات المقدمة من خارج الأسرة لهؤلاء الأشخاص، لتسهيل المعيشة اليومية لكل الأسر، مهما كان مصدرها.
وهذا لا يعني، أن يتوقف المجتمع المدني، عن مواصلة العمل لتدعيم علاقات التضامن ما بين الأجيال وما بين المهن من أجل المحافظة على العلاقات الاجتماعية واستمرار القيم الاجتماعية في إعطاء الآثار المفيدة لتعزيز التلاحم الاجتماعي.
قانون خاص لحماية المسنين ومحاربة كل أشكال التخلي
تم إعداد قانون خاص بحماية المسنين في 29 ديسمبر 2010 يتضمن 13 نصا تطبيقيا، حيث يسمح هذا القانون عبر هذه النصوص التطبيقية للأشخاص المسنين ببلوغ الكبر في وسطهم العائلي متمتعين بكرامتهم ومكانتهم، ويحارب كل أشكال التخلي حيث ينص على عقوبات تجاه الأبناء الذين يتخلون عن أوليائهم قد تصل إلى الحبس، كما يمكن من تقديم مساعدات للعائلات المعوزة التي لا تملك الإمكانيات للتكفل بالمسن.
ويسعى هذا القانون لمكافحة الملل بتفضيل الاحتكاك بين الأشخاص المسنين الذين يعيشون داخل المؤسسات المتخصصة والأشخاص المسنين الذين يعيشون في الوسط العائلي، إضافة إلى ذلك سيتم بموجبه إنشاء جهاز جديد متمثل في المساعدة والمرافقة الاجتماعية والنفسية للأشخاص المسنين في المنازل.
من جهة أخرى، ينص القانون على دعم الدولة لعائلات الاستقبال التي ترغب في التكفل بالمسنين المحرومين أو دون روابط أسرية، في ظل ارتفاع عدد المسنين في الجزائر، حيث يمثل من يبلغون الستين سنة فما فوق 7 بالمائة من السكان أي حوالي 5,2 مليون نسمة، ويرتقب أن تصل النسبة إلى 40 بالمائة في آفاق 2025.
هذا القانون وقف أيضا في وجه التحايل الذي كان يتعامل به بعض الأبناء مع آبائهم، حيث يضعونهم في دار العجزة ولا يسألون عنهم سوى في فترة تقاضيهم منحة التقاعد بغرض الاستيلاء عليها ثم يعيدونهم مرة ثانية إلى مراكز العجزة، وجاء هذا القانون خصيصا لحمايتهم من هذه السلوكات التي تسيء للآباء، وفي هذا الصدد يخول القانون للمسن الاختيار بين إعطاء منحة تقاعدهم إلى مدير المركز أو الاحتفاظ بها، فهذا القانون يوفر الحماية للمسن.
عقوبات جزائية للأبناء العاقين
الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات لكل من أذى والديه
ينص قانون حماية الأشخاص المسنين المصادق على تطبيق عقوبات جزائية ضد كل من يعتدي أو يمس بكرامة الشخص المسن، حيث أن الإجراءات المتخذة تتمثل في معاقبة الأصول الذين يعتدون على أوليائهم لاسيما فئة المسنين التي يجب حمايتها وصون كرامتها.
وينص قانون حماية الأشخاص المسنين الذي يحتوي على 40 مادة على معاقبة كل من ترك شخصا مسنا أو عرضه للخطر بنفس العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات لا سيما المادتان 314 و 316 منه، ويعاقب بموجب هذا القانون الأشخاص المخالفون لأحكامه بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وبغرامة مالية تتراوح ما بين 20 ألف دينار إلى 500 ألف دينار وذلك حسب الحالات.
وينص القانون أيضا على حماية الشخص المسن من كل أشكال التخلي والعنف وسوء المعاملة والاعتداء والتهميش والإقصاء من الوسط الأسري والاجتماعي، إلى جانب هذا يمكن لكل أسرة تعاني من حالة هشة ولديها شخص مسن بإمكانها الاستفادة من إعانة من السلطات العمومية ومن المؤسسات المختصة المعنية حتى يتسنى لها القيام بواجبها تجاه الشخص المسن.
7.5 مليون شخص سيتجاوز سنهم 60 سنة في عام 2050
يعرف الشعب الجزائري بأنه شعب شاب إلا أن تركيبة سكان الجزائر بدأت في التغير منذ عام 1990 حسب دراسات الأمم المتحدة، التي أفادت بأن عدد الأشخاص فوق سن 60 سنة سيتجاوز في الجزائر 7.5 مليون شخص في عام 2050، ما يعني أن الحكومة الجزائرية ستعجز بعد 35 سنة عن تسديد معاشات المتقاعدين.
من بين 60 مليون جزائري سيعيشون في عام 2050 حسب تقديرات الأمم المتحدة، سيتواجد 7.5 مليون شخص سنهم يتعدى 60 سنة وهو رقم مرعب في الجزائر التي تعاني من أزمات اقتصادية بل ومن اقتصاد ضعيف غير قادر على الاستقلال عن الموارد المالية المتأتية من ريع النفط والثروات الطبيعية سيتجاوز عدد المسنين في العالم عام 2030 مليار وأربعمائة مليون نسمة، ومليارين بحلول عام 2050.
وطالبت منظمات دولية عدة بمواجهة التحديات والآثار التي تطرحها الشيخوخة، ومن أبرزها ارتفاع تكاليف المعاشات والرعاية الصحية والاجتماعية، مما قد يفرض زيادة كبيرة بالإنفاق قد تؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي بالدول.
ويعزز الإعلان السياسي الذي اعتمد في مدريد عام 2002 حماية حقوق المسنين، والذي دعا إلى القضاء على التمييز والإهمال وإساءة المعاملة والعنف على أساس السن، وفق ما ذكر موقع الجزيرة نت.
وتضمنت خطة مدريد الدولية توجيهات بشأن الحق في العمل والصحة، والمساواة بالفرص في جميع مراحل الحياة، ووضع برامج تتيح الحصول على الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي والمعاشات التقاعدية والتأمين ضد العجز والاستحقاقات الصحية.
وترى الأمم المتحدة أن جهودها لن تكلل بالنجاح لمعالجة قضايا الشيخوخة إلا بمؤازرة المنظومات الحكومية والطوعية لتحقيق أهدافها في وضع أنظمة رعاية كفؤة للمسنين يضعها أجيال اليوم لأجدادهم، وحتماً ستكون لأنفسهم عندما تمضي الحياة في دورتها.