في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة.. الجزائر تحيي المناسبة وسط تنامي الظاهرة

في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة.. الجزائر تحيي المناسبة وسط تنامي الظاهرة

تحيي الجزائر اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة وسط تنامي الظاهرة في أوساط المجتمع الراجع لأسباب يسهل عدها ويصعب علاجه رغم أن العنف ضد المرأة ظاهرة عالمية وقديمة قِدم الوجود البشري، إلا أنها تزايدت مؤخرا وعرفت منحى تصاعديا خطيرا، ففي الجزائر اهتز المجتمع عدة مرات أشهرها التي حدثت في شهر أكتوبر المنصرم، بعد العثور على جثة فتاة متفحمة في محطة وقود مهجورة شرقي الجزائر، الجثة المتعلقة بجريمة اغتصاب وقتل شيماء سعدو الشابة البالغة من العمر 19 عامًا، وهي القضية التي أعادت إلى الواجهة ضرورة كسر حاجز الصمت لمكافحة العنف ضد المرأة وأعادت الجدل حول عقوبة الإعدام.

وفي ذات السياق، ذكرت مجموعة “ألجيري فيمينيسيد” التي تهتم بمثل هذه القضايا عبر الفايسبوك، أنه “منذ بداية العام 2020 تم تسجيل 39 جريمة قتل بحق النساء وسجلت المجموعة حوالي 60 جريمة في العام 2019، إلا أنه وبحسب المجموعة، الرقم الحقيقي أكبر بكثير”.

وطالبت المجموعة في بيان نشر عبر صفحتها على موقع فايسبوك بتغيير القوانين، وكتبت “لن ننصفها من خلال المطالبة بعقوبة الإعدام، بل القوانين هي التي يجب تغييرها وتطبيقها”. وتحرص الصفحة على التعويض عن نقص الإحصاءات الرسمية من خلال نشر كل ما يتعلق بهذا الموضوع.

وعُثر على جثة شيماء في مستهل أكتوبر الماضي في محطة وقود مهجورة في الثنية، بالقرب من بومرداس، شرق الجزائر العاصمة. وقالت التقارير إن الفتاة تعرضت للضرب والاغتصاب والطعن بالسكين قبل أن تُحرق حية.

ويُلاحق المشتبه به الذي اعترف بجريمته، بتهمة الاغتصاب والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد واستعمال التعذيب وارتكاب أعمال وحشية.

مساعٍ لـ “كسر حاجز الصمت”

ومن أجل “كسر حاجز الصمت” خرجت عشرات النساء في مظاهرات في مختلف أنحاء الوطن خاصة المدن الكبرى العاصمة ووهران وقسنطينة، وتم تنظيم مسيرات تندد بالجرائم البشعة التي طالت شيماء وإكرام وأميرة وأسماء ورزيقة وأخريات.

وقال التجمع الحر والمستقل لنساء بجاية إن “جريمة قتل شيماء سعدو المشينة تضاف إلى قائمة طويلة من جرائم قتل النساء التي تطول أمام الصمت المتواطئ وتبرير العنف وغياب الإجراءات الحقيقية.

“فقدنا واحدة منا”

وتحت عنوان “فقدنا واحدة منا”، تقوم الناشطتان ناريمان مواسي ووئام أوريس منذ بداية العام بتسجيل أسماء الضحايا. وبحسب ناريمان ووئام فإنه من الضروري القيام بهذا العمل لتسليط الضوء على ما تعانيه بعض النساء في الجزائر.

هذا، وتشارك الناشطات في تقديم رسم واسم وكتابة قصة لكل ضحية على حده، حتى لا يذهب موتها سدى ويخلد ذكراها، بحسب ناريمان ووئام. ويكتسب هذا العمل أهمية خاصة لأن إحدى السمات التي تحيط بالجرائم المرتكبة بحق النساء في الجزائر هي قاعدة الصمت، وعادة ما يتم دفن ضحايا العنف من النساء دون مبالاة.

وكتبت امرأة على تويتر “يجب إعادة بناء تصور المرأة ذاته في المخيلة الاجتماعية. أنا ضد عقوبة الإعدام. لكني أطالب بعقوبة مشددة ضد قاتل شيماء”.

وأضافت مجموعة “ألجيري فيمينيسيد” أنه تم التوصل إلى هذا العدد بناء على معلومات مجتزأة ومن خلال البحث اليومي في وسائل الإعلام أو شبكات التواصل الإجتماعي، إلا أنه من المؤكد أن هذا العدد أقل بكثير من عدد الجرائم بحق النساء على أرض الواقع، والتي لا يتم الإبلاغ عنها.

… وتتوالى القصص والضحية “امرأة”

وقبل أشهر استفاقت مدينة خميستي بتيبازة، على وقع جريمة شنعاء راحت ضحيتها فتاة مراهقة لا يتجاوز عمرها 16 عاما بعد أن قام رجل أربعيني يقطن بجوار منزل عائلتها بتكبيلها واغتصابها بالقوة، ثم خنقها بواسطة كيس بلاستيكي.

هذا، وأثار مقطع فيديو مصور نشرته والدة الشابة إكرام عيسات من محافظة البليدة، تؤكد من خلاله أن ابنتها البالغة من العمر 19 عاما قتلت على يد زوجها، موجة غضب واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي. وتعود تفاصيل الجريمة لشهر جوان من العام 2019.

ولـ “كورونا” أثرها على العنف ضد النساء

تعيش العائلات الجزائرية على صفيحٍ ساخن يهدد تماسكها، بعد أن توسعت دائرة العنف بين أفرادها وبشكل خاص إزاء النساء والأطفال، والذين باتوا عرضة لكل أنواع التعنيف جراء تبعات الحجر الصحي والظروف المعيشية القاهرة المترتبة على إجراءات مواجهة الجائحة.

وتكشف النداءات المستمرة لنساء يطلبن النجدة لهن ولأطفالهن، والتي تستقبلها الجمعيات والمنظمات الحقوقية، عن حجم الضرر العائلي الذي تسببت فيه إجراءات مواجهة فيروس كورونا، وقد دقت تلك الجهات ناقوس الخطر حول تزايد العنف الأسري الذي تعد المرأة أولى ضحاياه، وبعدها الأطفال؛ حيث تؤكد رئيسة شبكة “وسيلة” للدفاع عن حقوق المرأة، رقية ناصر، أن الحجر المنزلي حوَّل حياة بعض النساء إلى جحيم، بعد أن أصبحن عرضة للعنف الجسدي واللفظي والنفسي، مشيرةً إلى أن الشبكة تستقبل ما معدله 70 مكالمة أسبوعياً من نساء يشتكين تعرضهن إلى التعنيف من أزواجهن.

وقالت ناصر: إن الظروف القاهرة التي بات عليها الأزواج جراء فقدانهم مناصبهم، وتدهور القدرة الشرائية، وارتفاع متطلبات العائلة؛ بسبب الأزمة الصحية التي تعانيها كل دول العالم، بما فيها الجزائر، تسببت في ضغوط نفسية دفعت إلى العنف العائلي كحتمية غير مبررة لا يمكن تقبلها؛ “لأن العنف مرفوض ومنبوذ تحت أي تبرير”، مضيفةً أن انشغال السلطات بمواجهة “كورونا” خلق نوعاً من التجاهل في الاهتمام بعدة موضوعات مترتبة على انعكاسات الحجر المنزلي، والعنف ضد النساء والأطفال من المشكلات التي باتت تتوسع في ظل انعدام هيئة أو خلية تتابع وضع هذه الفئات المتضررة، مشيرةً إلى أن التخوف من عدوى “كورونا”، بالإضافة إلى حظر التجوال المفروض في بعض الولايات حرم المرأة من طلب الحماية.

 

مستشفى “زميرلي” بالعاصمة يستقبل بين 35 و40 حالة تعنيف يومياً

وأدَّت إجراءات مواجهة جائحة “كورونا” إلى ضعف تنقل ضحايا العنف بمختلف أنواعه إلى مصالح الطب الشرعي الذي يتكفل في العادة بتشخيص الحالات وتحديد مدى العجز وتأكيده في شهادة طبية؛ حيث منعت السلطات استقبال الحالات إلا بأمر من وكيل الجمهورية أو مصالح الأمن، ما جعل الحالات المسجلة لا تمثل الواقع؛ حيث إن مستشفى “زميرلي” بالعاصمة الذي كان يستقبل بين 35 و40 حالة تعنيف يومياً، تراجع العدد فيه إلى 10 حالات تتعلق أغلبها بنساء تم الاعتداء عليهن من طرف أزواجهن، وَفق ما ذكرت مصالح المستشفى.

من جهتها، تعتبر رئيسة مركز التوثيق لحقوق الطفل والمرأة، نادية آيت زاي، أن الحجر المنزلي الذي فرضته السلطات لم تتبعه إجراءات لحماية فئات ضعيفة كالنساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين، موضحةً أن العنف ضد المرأة تضاعف بشكلٍ رهيب منذ فرض إجراءات مواجهة جائحة “كورونا”، وعليه فإنه بات من الضروري وضع رقم “أخضر” لطلب النجدة والحماية.

ولم تخلف جائحة “كورونا” عنفاً زوجياً فقط، وإنما انعكست إجراءات الحجر المنزلي على العائلة بشكل عام، بعد تنامي الظاهرة داخل الأسرة الكبيرة بممارسة الأب للعنف على الأبناء، وكذا بين الإخوة والأخوات في ما بينهم؛ حيث يكون الأطفال والنساء الأكثر عرضة للتعنيف، سواء الجسدي أو اللفظي أو النفسي؛ وهي الحالات التي لا يمكن التبليغ عنها إلا بنسبٍ قليلة، ليس خوفاً وإنما استجابة لتقاليد وأعراف المجتمع التي تقف حاجزاً أمام تقديم الوالد أو الأخ أمام العدالة، أو حتى طلب الحماية على اعتبار أن الوالد أو الأخ هو رمز الحماية في الحقيقة، وليس مصدر الظلم؛ الأمر الذي يضع المرأة كما الطفل تحت ضغطٍ نفسي يتطور مع مرور الوقت إلى عنف مضاد أو انتحار أو هروب من البيت.

رئيسة المرصد الجزائري للمرأة شائعة جعفري: المجتمع بحاجة لرفع شعار “رفقا بالقوارير”

رئيسة المرصد الجزائري للمرأة، عضو المجموعة الإقليمية للأمم المتحدة، شائعة جعفري، أشارت، في حديثها إلى أن لجنة المرأة بهيئة الأمم المتحدة كشفت عن تنامٍ وارتفاعٍ كبير للعنف المنزلي ضد المرأة، وطالبت بإطلاق حملات توعوية للحد من الظاهرة؛ خصوصاً في فترة الحجر الصحي، موضحةً أن الجزائر وعلى غرار الدول التي تعيش ظروف الجائحة، عرفت كذلك ارتفاعاً في عدد حالات التعنيف المنزلي ضد المرأة؛ حيث تلقى المرصد شكاوى كثيرة من نساء معنَّفات.

وأضافت جعفري أن عجز النساء عن تقديم شكاوى لدى المصالح المختصة في الظروف الحالية، وتفضيل التكتم أو السكوت عن العنف الممارس ضدهن، سواء كان من زوج أو أب أو أخ، زاد من اتساع الظاهرة من جهة، ومن معاناة المرأة من جهة أخرى؛ خصوصاً أن الموروث الاجتماعي من أعراف وتقاليد لا يسمح لها بتقديم شكوى ضدهم، لذلك تتواصل معاناتها في صمت رغم الترسانة القانونية الجزائرية الموجودة لحمايتها من أي نوع من أنواع العنف الممارس ضدها.

وختمت جعفري بأن المجتمع اليوم بحاجة إلى رفع شعار “رفقاً بالقوارير”؛ للحد من تنامي ظاهرة العنف المنزلي ضد المرأة التي تحولت إلى وسيلة للتخفيف من الضغط النفسي والاجتماعي الذي تسبب فيه الوضع الوبائي.

لمياء بن دعاس