خبراء يحذرون من مواجهة جيل مصاب بالداء

تسجيل 200 وفاة سنويا بسبب الإيدز بالجزائر.. مساعٍ لجعله ضمن الأمراض المزمنة

تسجيل 200 وفاة سنويا بسبب الإيدز بالجزائر.. مساعٍ لجعله ضمن الأمراض المزمنة

تقول آخر الإحصائيات إن 85 بالمائة من إصابات السيدا تم تسجيلها عند الشباب، علما أن الإيدز يصيب أكثر الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 25 و49 سنة، للذكور والإناث بالتساوي.

وأفاد عادل زدام مدير برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا في الجزائر، أن عدد الوفيات بالإيدز سنويا بالجزائر هو 200 وفاة، وتعمل الجهات المختصة على خفضها إلى أقل من 100 وفاة مستقبلا.

وكشف زدام، أن الدراسات والإحصائيات أظهرت أنه من بين 3000 إلى 5000 حالة مصابة بالإيدز غير مسجلة خوفا من التهميش.

وقال ذات المسؤول، إن الخطاب المسجدي مهم جدا للحد من السيدا. كما تم إعداد دليل للأئمة والمرشدات وتكوين خاص لهم لإرشاد الشباب وتوعيتهم، مشيرا إلى أنه من الضروري تفادي إصدار الأحكام المسبقة على أي مصاب، بل يجب مرافقته. كما قال إن المصابين يعانون من سياسة التهميش والتمييز والذهنيات الخاطئة في حق المصابين، وهذا أكبر مشكل نعاني منه حاليا.

تحيي الجزائر اليوم الفاتح من ديسمبر اليوم العالمي لمكافحة داء فقدان المناعة المكتسبة “السيدا” على غرار كل دول العالم.

وبهذه المناسبة، يتم تنظيم تظاهرات توعوية ووقائية لمكافحة الداء، الذي ما يزال يشكل “طابو” تحوم حوله الشبهات والأفكار الخاطئة التي جعلت الشخص المصاب به مشبوها بل ومنبوذا في عديد الحالات، مما جعل الشخص المريض أو الحامل للفيروس يعاني من تبعات المرض من جهة، ومن نظرة المجتمع التي لا ترحم من جهة أخرى.

فإذا كان المريض عادة ما يكون حساسا، فإن مريض الإيدز أكثر من حساس والحديث إليه أكثر من صعب نظرا لحساسية المرض والنظرة التي يتوقع المريض أن تنظر إليه، بينما هناك من يرغب في الحديث عن قصته وإيصالها للناس سواء لإثبات عفته أو لإلقاء اللوم على الآخرين أو لغيرها من الأسباب التي تتعدد

وتتنوع حسب تنوع قصص أصحابها، ومع ذلك إرتأينا تقديم هذه العينات التي ما هي إلا نماذج بسيطة لأشخاص مصابين بمرض يدخل في خانة أمراض العصر، حيث كان الحديث معهم صعبا جدا نظرا لحساسية المرض.

 

زوجها تسبب في إصابتها ثم تخلى عنها

هي امرأة لطالما عرفت بعفتها وطهارتها وأقل ما يقال عنها إنها كانت بحق الزوجة الصالحة حسب شهادة كل من يعرفها، لم تكن تدري أنها مصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة، إلا أن الفحوصات التي طلبت منها لدى إقبالها على طلب تأشيرة السفر جعلتها تكتشف إصابتها، قالت محدثتنا التي اخترنا لها اسم نعيمة كونها لم تشأ أن تكشف عن اسمها إنها كانت ترى نفسها بعيدة كل البعد عن هذا المرض لأنها لم تعرف في حياتها سوى زوجها. لكن هذا الأخير ظلمها مرتين، الأولى حين نقل لها العدوى والثانية حينما تخلى عنها، تذكر هذا وتبكي خاصة مع تهرب الجميع منها بعد معرفتهم بإصابتها لأنها لم تخفِ مرضها طالما أنها متأكدة من عفتها، وأنها لن تسامح زوجها الذي كان سببا في إصابتها وختمت كلامها بتمنيها أن يتم التكفل بالمصابين بهذا المرض ومحاولة إدماجهم في المجتمع.

 

أول نزوة دمرت حياتي

“مراد” كغيره من الشباب الذين غرتهم الحياة الدنيا وأرادوا أن يمرحوا و”يعيشوا حياتهم” رغم أنه لم يكن من أصحاب العلاقات غير الشرعية، لكن انجذب لحياة أصحابه وكانت تلك الضربة القاتلة بالنسبة له، إذ أنه أقام علاقة مع إحدى فتيات الهوى التي كانت حاملة للفيروس وتأكدت إصابة مراد بعد خضوعه لتحليل جعله منبوذا في مجتمع لا يرحم ولا يغفر الأخطاء خصوصا إذا ما تعلق الأمر بمرض السيدا الذي لا يزال من الطابوهات كونه لا يزال معرفا على أنه مرض “العلاقات غير الشرعية”.

 

شفرة حلاقة غيرت حياته وأدخلته عالم السيدا

استوقفتنا حالة السيد “م.ك” أستاذ وعلى قدر كبير من الأخلاق والطيبة معروف لدى زملائه وأبناء حيه، كان هو الآخر ضحية لهذا المرض القاتل الذي أبعد عنه كل من أحبهم ودعمهم في يوم من الأيام، وقد أصيب بهذا المرض نتيجة شفرة حلاقة غير معقمة كانت سببا في أن يقضي حياته في معزل عن كل الناس رغم أنه يتعايش مع المرض، إلا أن التوعية والتحسيس بإمكانية التعايش مع المصابين بمرض السيدا غائبة مع اعتقاد الناس أن انتقاله لا يتم عن طريق اللمس أو المصافحة وإنما عن طريق الدم أو العلاقة الجنسية. وهنا تأسف السيد “م.ك” كثيرا لواقع المجتمع الذي وصفه بالظالم، ولكنه لم يكن حاقدا على قدره وقضائه قدر ما كان حاقدا على غياب التوعية والوقاية لدى عامة الناس.

 

بعض الأطباء يرغموننا على إخفاء مرضنا بتصرفاتهم السلبية

“سليمان” لم يكن مثل باقي العينات السابقة، إذ أنه كان أكثر تمسكا وصلابة ومعايشة لمرضه، إلا أن الشيء الذي يؤرقه رفقة باقي المصابين بهذا الداء ليس النبذ الذي يتلقاه من طرف المجتمع والذي اعتبره أمرا عاديا في غياب الثقافة المتعلقة بالتعايش مع مريض نقص المناعة المكتسبة، وإنما من أهل الاختصاص الذين من المفروض أن يعطوا أمثلة في التعايش والتعامل مع من هم في وضعه، حيث روى أنه في أكثر من مرة كان يتم رفضه من قبل بعض أطباء الأسنان بسبب مرضه، وقال كان من الممكن أن أكذب بشأن وضعي الصحي وأنتقم من المجتمع الذي ظلمني، وإنما حرصي على ألا تتكرر حالتي مع غيري جعلتني أصارح من يقوم بعلاجي لتجنب انتقال المرض ولأمانتي أخبرته بمرضي فأمرني بالخروج ومغادرة العيادة مع تهديدي إن عدت إليه أن ينشر اسمي في كل العيادات، وهذا ما جعلني عاجزا عن تفسير ما يحدث ولا أجد كيف نستطيع وصف المجتمع بغير المتقبل لنا، في حين أن أهل الاختصاص والأطباء يرفضوننا.

 

الدولة توفر العلاج والدواء للمصابين

قال عادل زدام، إن الجهات المعنية وفرت 16 مركزا متخصصا للعلاج المجاني للمصابين بالسيدا، مشيرا إلى أن نسبة العلاج بلغت 85 بالمائة.

كما أن الأدوية متوفرة بشكل دائم، وتعمل الجزائر حاليا على خفض فاتورة العلاج للمريض الواحد إلى أقل من 70 دولارا.

وتحدث ذات المسؤول عن التحديات الموجودة وهي تغطية نقل الفيروس من الأم الى الجنين حيث تبقى منخفضة نسبيا. كما قال إن 34% فقط من النساء الحوامل يقمن بخطوات تمنع انتقال الفيروس إلى الجنين.

 

استجابة لشكاوى المرضى.. وإجبار المستشفيات على علاجهم

شددت وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات، في تعليمتها إلى مدراء المؤسسات الإستشفائية والمراكز الصحية، على ضرورة التكفل الجيد والخاص بالأشخاص المصابين بفيروس فقدان المناعة المكتسبة “السيدا”.

وجاءت هذه التعليمة، بعد تلقي الوزارة عدة شكاوى ضد التمييز الذي يعاني منه مرضى فقدان المناعة المكتسبة، وقد نصت على إجبارية ضمان أحسن رعاية طبية لجميع الأشخاص المصابين بالسيدا، إضافة لتحويلهم إلى مستشفيات أخرى، حسب الحالة الصحية لكل مريض، متوعدة باتخاذ إجراءات صارمة في حال عدم الإلتزام بهذه التعليمة·

التعليمة جاءت استجابة للشكاوى العديدة التي رفعتها هذه الشريحة بسبب المعاملة السيئة التي يتلقونها من طرف القائمين على المستشفيات العمومية، ولعل أكثر الحوادث المأساوية سجلت في الفترة الماضية، عندما رفض مستشفى توليد امرأة في حالة مخاض بمجرد معرفة إصابتها بمرض فقدان المناعة المكتسبة، وقد برر الطاقم الطبي موقفه هذا بعدم توفر المعدات والخبرة اللازمة لمثل هذه الحالات.

وفي سياق متصل، يعاني أكثر المصابين بالسيدا، وكذا الحاملين لفيروس فقدان المناعة المكتسبة من عدة مشاكل يوميا بسبب الإقصاء والتهميش.

ففي ذات السياق، توضح السيدة حياة رئيسة جمعية “الحياة” أن المصاب بالسيدا يعاني الأمرين، فإلى جانب معاناته من المرض وآلامه الجسدية والنفسية، يعاني أيضا من نظرة المجتمع له، نظرة تحمل الكثير من الإحتقار والإقصاء، وهي تصدر في الغالب من المقربين بمن فيهم العائلة والأصدقاء والجيران·· فهؤلاء يعتبرون المصاب بالإيدز وصمة عار وعليهم تجنبه، لذلك غالبا ما يتم مقاطعتهم وحتى إبعادهم، مثل هذه المعاناة باتت تدفع المصابين إلى إخفاء حالاتهم على المجتمع تجنبا لتلك النظرة الإقصائية.

 

العلاج جعل الإيدز ينتقل من المرض القاتل إلى المرض المزمن

وتضيف المتحدثة أن معاناة المصابين بالإيدز تتجاوز الجانب الاقتصادي المرتبط بتكلفة العلاج لتضاف إليها نظرة المجتمع والخوف من أن يتم انتشار خبر إصابتهم. في ذات السياق، تضيف مديرة جمعية “الحياة” أن حاملي فيروس فقدان المناعة المكتسبة لم يعد ذلك المرض القاتل الذي يشكل في أذهان الكثيرين “بعبعا مخيفا”، باعتبار أن العلاج بات يضمن استمرار الحياة بشكل عادي لكل حاملي الفيروس، بعبارة أخرى تؤكد المتحدثة أن هذا العلاج جعل المرض ينتقل من خانة الأمراض القاتلة إلى الأمراض المزمنة التي يمكن للمريض أن يتعايش معها ويواصل حياته بشكل طبيعي شرط أن يلتزم بالعلاج الثلاثي، كما تؤكد رئيسة الجمعية على أن نظرتنا السلبية لحاملي الفيروس لم تعد مقتصرة على أفراد المجتمع محدودي التعليم، حيث امتدت إلى الطبقة المثقفة التي تدرك جيدا أن انتقال المرض يتم عن طريق الإتصال الجنسي أو الدم، على غرار الأطباء الذين أصبحوا، حسب المتحدثة، يرفضون معاينة مرضى السيدا عند العلم بإصابتهم به.

 

المصابات بالإيدز هل هن بالضرورة بائعات هوى

في بداية كتابة هذا الموضوع كنا ندرك أن أكثر ما سيتعبنا هو الوصول أو الحديث إلى شخص مصاب بفيروس الإيدز والبحث عنه ليس بالمسألة الهينة، وفعلا طرقنا عدة أبواب، وأولها كان الجمعيات الناشطة في مجال مكافحة مرض السيدا، والتي رفضت منحنا الموافقة على الحديث مع المصابين مباشرة، أما عن طريق الهاتف فقد أخذت محاولة إقناعها وقتا كبيرا…لكنها رفضت بحجة المحافظة على نفسية المصابين، ومن باب الصدفة أننا زرنا مستشفى القطار لأمر آخر فوجدنا أنفسنا أمام المركز المخصص لتوزيع الأدوية الخاصة بالإيدز الكائن بمستشفى القطار، وهناك ادعت من كانت برفقتي أنها ترغب في إجراء كشف تطوعي، وهناك وجدنا أنفسنا وجها لوجه مع بعض المصابين الذين استرسلوا في الحديث مع بعضهم عن معاناتهم الطويلة من نظرات التهميش والإحتقار والإقصاء التي يلاقونها من المجتمع،…كلها قصص جعلت النوم يفارقنا بعدها لأيام، ففي قاعة الإنتظار كان المرضى من مختلف الأعمار ينتظرون دورهم للحصول على الأدوية التي توزع عليهم كل ثلاثة أشهر أو بما يعرف بـ “العلاج الثلاثي”….كانت هناك امرأة في الأربعينيات من العمر جالسة على مقعد بأحد أركان القاعة، كانت جالسة سارحة بفكرها كأنها تتساءل عن الواقع الذي أوجدها هنا، ثم تحدثت بمجرد أن اقتربت منها سيدة أخرى لا نعلم بماذا همست لها: “لا يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا، لا نملك أن نعترض على إرادة وحكم الله لأنه هو القادر على شفائنا من هذا المرض الخبيث…. المرض امتحان كبير من عند الله، فهو وسيلة يختبر من خلالها قوة إيماننا ومدى صبرنا على ما ابتلانا به، لكن ما يحز في نفسي هو نظرة الناس التي تطاردني وتقتلني في كل ثانية دون مراعاة الظروف النفسية والإجتماعية التي أمر بها… معاناتي مع المرض فاقت 10 سنوات حيث اكتشفت إصابتي بهذا المرض عندما أصبت بإسهال حاد، حيث تم نقلي إلى مصلحة الأمراض المعدية بمستشفى مصطفى باشا، وعقب إجراء عدة تحاليل أعلمني الطبيب بأنني مصابة بداء فقدان المناعة المكتسبة “السيدا” حينها أصبت بصدمة كبيرة، حيث لم أقدر على استيعاب أنني مريضة بالسيدا، فرفضي الإعتراف بالمرض شكل صدمة بالنسبة لي ما فاقم من حالتي الصحية، خاصة خلال السنة الأولى”.

وبخصوص إصابتها بالمرض، قالت إن التحاليل أكدت أنها تلقت العدوى من زوجها الحامل للفيروس: “بصراحة أنا أمقت وأكره اليوم الذي تعرفت فيه على زوجي، فحتى اهتمامه بي لم يشفع له عندي لأنني متأكدة من أن تصرفاته نابعة من إحساسه بالذنب”.

وأوضحت أن خصوصية المرض جعلتها تخفي إصابتها عن عائلتها وأطفالها الخمسة، حيث أخبرتهم بأنها أصيبت بتسمم في الدم، وأنهم لم يتقبلوا ذلك نظرا لكثرة ترددها على المستشفى، وأكدت أن المجتمع ينظر إلى كل حاملات الفيروس على أنهن بائعات هوى حتى ولو أصبن بسبب استهتار أو نزوة..

 

رغم مجانية الكشف التطوعي

جمعيات تؤكد فشل المخطط الوطني لمكافحة السيدا

تنشط عدة جمعيات في مجال مكافحة السيدا، حيث يقتصر عملها على توفير الدعم النفسي من خلال إشراك العديد من المرضى في برنامج جماعي، تستعرض خلاله كل حالة تجربتها مع المرض وكيفية التغلب عليه، وتشكل هذه المجموعات، في الغالب، قصد توجيه المصابين الجدد وتلقينهم كيفية التأقلم مع المرض، وفي هذا السياق، يؤكد رؤساء هذه الجمعيات والناشطون فيها أن جمعياتهم قامت بعدة نشاطات بهدف تنمية وعي المواطنين وإقناعهم بضرورة القيام بالكشف الطوعي المجاني، كل سنة على الأقل، للتأكد من عدم إصابتهم بالداء، خاصة الأشخاص الذين لديهم علاقات جنسية متعددة، وكذا التحسيس بضرورة محاربة إقصاء وتهميش المصابين بهذا الداء.

في ذات السياق، أشار رئيس جمعية “إيدز الجزائر” إلى أن غياب الدعم المالي الضروري حال دون تحقيق كل الأهداف، مضيفا أن قلة الإمكانيات ترهن نجاح الاستراتيجية الوطنية لمكافحة السيدا بسبب تراجع مستوى النشاطات التوعوية، وأن هذه الوضعية دفعت بالعديد من الجمعيات للبحث عن صيغ تمويل من الهيئات والمنظمات الأممية على غرار الإتحاد الأوروبي وكذا هيئة الأمم المتحدة التي تعتبر الممول الأول لجميع النشاطات الخاصة بمكافحة السيدا من طباعة الملصقات التحسيسية إلى تكوين مختصين وتوزيع الأدوات التثقيفية لمحاربة الإقصاء والتهميش الذي يطال مرضى الإيدز. وقد وجه رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة السيدا إنتقادات لاذعة إلى وزارة الصحة بسبب عدم إشراكها لهم في البرامج والإستراتيجيات التي تسطرها سنويا في سبيل المساهمة في رفع الغبن عن هذه الشريحة من المرضى.

لمياء بن دعاس