أحيت الجزائر، يوم الجمعة الفاتح من ديسمبر، اليوم العالمي لمكافحة داء فقدان المناعة المكتسبة “السيدا” على غرار كل دول العالم.
وبهذه المناسبة، تم تنظيم تظاهرات توعوية ووقائية لمكافحة الداء، الذي ما يزال يشكل “طابو” تحوم حوله الشبهات والأفكار الخاطئة التي جعلت الشخص المصاب به مشبوها بل ومنبوذا في عديد الحالات، مما أدى إلى معاناة الشخص المريض أو الحامل للفيروس من تبعات المرض من جهة، ومن نظرة المجتمع التي لا ترحم من جهة أخرى.
تباين في الأرقام وتحذير من إخفاء المرض
كشف مسؤول في هيئة مراقبة الأوبئة والأمراض المعدية بوزارة الصحة عن تقديرات تخص معدلات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، حيث بلغ عدد الإصابات 1200 خلال العام الماضي.
وقال المختص في الأمراض المعدية والمتنقلة بمستشفى تمنراست، لياس أخاموك، في برنامج إذاعي، “هناك انخفاض في الحالات المسجلة لمرض نقص المناعة المكتسبة في الجزائر”، مشيراً إلى أن “هناك تباينا نوعا ما في أرقام الإصابات، العام الماضي سجلنا 1200 حالة”.
وقدر تقرير نشره برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالإيدز بالجزائر مجموع المصابين بداء نقص المناعة المكتسبة، بنحو 22 ألف شخص، بينما انتقلت معدلات الإصابات الجديدة بالفيروس في الجزائر، من 500 حالة سنويا في عام 2003 إلى ما يقرب الألف حالة في عام 2010.
وفي تقديرات تخص ولاية تمنراست، باعتبارها تعد من بين أكثر الولايات من حيث عدد الإصابات بـ “الإيدز”، أوضح أخاموخ “بعدما سجلنا 80 حالة في سنوات سابقة بولاية تمنراست جنوبي الجزائر، انخفض إلى أقل من 50 حالة سنويا بين الرجال والنساء والأطفال”.
وتابع قائلا: “خلال العشر سنوات الماضية بتمنراست لدينا 60 ولادة لنساء حاملات للفيروس، كلهن أنجبن أطفالا أصحاء، بحكم الرعاية المبكرة”.
وحذر أخاموخ من تبعات عدم التصريح بالمرض بسبب القيود الاجتماعية، وأضاف قائلا: “هناك حالات غير مصرح بها من طرف أصحابها، وعمليات الكشف تبقى قليلة نسبيا، وللأسف الإيدز ما زال يشكل طابو في بلادنا؛ وهذا خطأ علينا تغيير الذهنيات وطريقة التعامل مع المصابين على أنهم أصحاب سلوك سيئ ومشين، هناك حالات كثيرة أصحابها مصابون بالإيدز وهم لا يعلمون، وهنا تكمن خطورة هذا المرض، لذلك الوقاية مهمة”.
وتعد الجزائر بحسب أخاموخ، من البلدان الأولى إفريقيا التي شهدت الإصابة بالداء في الثمانينيات، فيما انطلاق العلاج كان عام 1997.
وتعتبر السلطات الجزائرية أنها تمكنت من إحراز تقدّم كبیر في مكافحة داء نقص المناعة المكتسبة، وقال وزير الصحة الجزائري، عبد القادر سايحي، في لقاء نظم الخميس، بمناسبة إحياء اليوم العالمي للمرض، إن تنفيذا نوعيا لبرنامج الوقاية من الداء بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة هو ما مكن من إحراز تقدّم كبیر في ھذا المجال.
وكشف عن تسریع في برنامج الاستجابة للقضاء على الإيدز بحلول عام 2030، مع التركیز على الحصول على “العلاج العادل”.
الحكومة مجندة لضمان العلاج المجاني للمرضى
أعرب وزير الصحة، عبد الحق سايحي، في تصريح له عن “الاستعداد الكلي” للحكومة و”مجموع المتدخلين” سيما المجتمع المدني، لضمان العلاج للأشخاص المصابين بمرض فقدان المناعة المكتسبة.
وأوضح السيد سايحي أن “هناك استعدادا تاما من الحكومة ومجموع المتدخلين، سيما المجتمع المدني، من أجل ضمان جميع الخدمات العلاجية لمرضى السيدا، من بينها الكشف المبكر والعلاج”.
كما شدد على “الإرادة السياسية للجزائر في تسريع المكافحة” ضد هذا المرض في آفاق 2030، مؤكدا على “الحصول العادل والنوعي على العلاج، مع احترام حق الجميع في العلاج”، قبل أن يوصي “بمزيد من اليقظة” أمام عوامل الخطر.
وأشار إلى أن أولويات الجزائر في مجال العلاج، تتمحور حول تسريع حماية السكان الأكثر هشاشة، فضلا عن التصدي لانتقال الفيروس من الأم للطفل، وكذا تعزيز نشاطات الوقاية والكشف المبكر والمعالجة.
كما أكد الوزير على أهمية “مرافقة الأشخاص المصابين بالفيروس بدعم من المجتمع المدني”، مذكرا في هذا الصدد بالالتزامات التي اتخذتها الجزائر من أجل تحسين مكافحتها للسيدا.
وأشار في ذات السياق إلى “الديناميكية الوبائية” التي يتميز بها الفيروس، مؤكدا على “إرادة الجزائر في رفع تحدي مكافحة هذا الأخير”، منوها بـ “الجهود التي بذلها مختلف الفاعلين خلال وباء فيروس كورونا من أجل تحسيس ودعم الفئات الهشة من المجتمع لمكافحة السيدا”.
من جانبه، أكد المنسق المقيم للأمم المتحدة بالجزائر بالنيابة، أحمد عثمان محمد سالك، على “التزام منظمة الأمم المتحدة لمكافحة السيدا بالجزائر، لدعم الجهود الملموسة لوزارة الصحة في إطار المخطط الوطني الاستراتيجي لمكافحة السيدا، الرامي إلى تعزيز المكافحة الوطنية بالنظر إلى ديناميكية الوباء”.
كما أكد على دعم “العمل الكبير للمجتمع المدني”، مشيرا إلى “الانجازات الهامة لذات المخطط والتي تدل على “إرادة حقيقية من الحكومة الجزائرية لمواجهة هذا الوباء بشكل ملموس وفعال ومستمر”.
أما مديرة الوقاية من الأمراض المتنقلة بوزارة الصحة، الدكتورة سامية حمادي، فقد صرحت للصحافة على هامش هذا اللقاء، أن “الجزائر تسجل معدلا سنويا يبلغ 1700 اصابة جديدة بالفيروس والذي يشمل عموما الفئة العمرية بين 24 و49 سنة، من كلا الجنسين الإناث والذكور”.
تعليمة الوزارة… استجابة لشكاوى المرضى وإجبار المستشفيات على علاجهم
شددت وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات، في تعليمتها إلى مدراء المؤسسات الاستشفائية والمراكز الصحية، على ضرورة التكفل الجيد والخاص بالأشخاص المصابين بفيروس فقدان المناعة المكتسبة “السيدا”.
وجاءت هذه التعليمة، بعد تلقي الوزارة عدة شكاوى ضد التمييز الذي يعاني منه مرضى فقدان المناعة المكتسبة، وقد نصت على إجبارية ضمان أحسن رعاية طبية لجميع الأشخاص المصابين بالسيدا، إضافة لتحويلهم إلى مستشفيات أخرى، حسب الحالة الصحية لكل مريض، متوعدة باتخاذ إجراءات صارمة في حال عدم الالتزام بهذه التعليمة.
التعليمة جاءت استجابة للشكاوى العديدة التي رفعتها هذه الشريحة بسبب المعاملة السيئة التي يتلقونها من طرف القائمين على المستشفيات العمومية، ولعل أكثر الحوادث المأساوية سجلت في الفترة الماضية، عندما رفض مستشفى توليد امرأة في حالة مخاض بمجرد معرفة إصابتها بمرض فقدان المناعة المكتسبة، وقد برر الطاقم الطبي موقفه هذا بعدم توفر المعدات والخبرة اللازمة لمثل هذه الحالات.
وفي سياق متصل، يعاني أكثر المصابين بالسيدا، وكذا الحاملين لفيروس فقدان المناعة المكتسبة من عدة مشاكل يوميا بسبب الإقصاء والتهميش.
ففي ذات السياق، توضح السيدة حياة رئيسة جمعية “الحياة” أن المصاب بالسيدا يعاني الأمرين، ففضلا عن معاناته من المرض وآلامه الجسدية والنفسية، يعاني أيضا من نظرة المجتمع له، نظرة تحمل الكثير من الاحتقار والإقصاء، وهي تصدر في الغالب من المقربين بمن فيهم العائلة والأصدقاء والجيران.. فهؤلاء يعتبرون المصاب بالإيدز وصمة عار وعليهم تجنبه، لذلك غالبا ما تتم مقاطعتهم وحتى إبعادهم، مثل هذه المعاناة باتت تدفع المصابين إلى إخفاء حالاتهم على المجتمع تجنبا لتلك النظرة الإقصائية.
العلاج جعل الإيدز ينتقل من مرض قاتل إلى مرض مزمن
وتضيف المتحدثة أن معاناة المصابين بالإيدز تتجاوز الجانب الاقتصادي المرتبط بتكلفة العلاج، لتضاف إليها نظرة المجتمع والخوف من أن يتم انتشار خبر إصابتهم.
في ذات السياق، تضيف مديرة جمعية “الحياة” أن فيروس فقدان المناعة المكتسبة لم يعد ذلك المرض القاتل الذي يشكل في أذهان الكثيرين “بعبعا مخيفا”، باعتبار أن العلاج بات يضمن استمرار الحياة بشكل عادي لكل حاملي الفيروس، بعبارة أخرى تؤكد المتحدثة أن هذا العلاج جعل المرض ينتقل من خانة الأمراض القاتلة إلى الأمراض المزمنة التي يمكن للمريض أن يتعايش معها ويواصل حياته بشكل طبيعي شرط أن يلتزم بالعلاج الثلاثي، كما تؤكد رئيسة الجمعية على أن نظرتنا السلبية لحاملي الفيروس لم تعد مقتصرة على أفراد المجتمع محدودي التعليم، حيث امتدت إلى الطبقة المثقفة التي تدرك جيدا أن انتقال المرض يتم عن طريق الاتصال الجنسي أو الدم، على غرار الأطباء الذين أصبحوا، حسب المتحدثة، يرفضون معاينة مرضى السيدا عند العلم بإصابتهم به.
ل. ب