في اليوم العالمي للمسرح… مسرحيون يتحدثون لـ “الموعد اليومي” عن واقع المسرح الجزائري بين التقشف والبحبوحة

elmaouid

فكرة الاحتفال باليوم العالمي للمسرح نشأت عام 1961 أثناء المؤتمر العالمي التاسع للمعهد الدولي للمسرح بمدينة فيينا، وذلك باقتراح من رئيس المعهد آنذاك، حيث كلف المركز الفنلندي التابع للمعهد في العام

الموالي، أي في 1962 بتحديد يوم عالمي للمسرح.

وقد تم تحديد يوم 27 مارس من كل سنة يوما عالميا للفن الرابع، وهو تاريخ افتتاح مسرح الأمم عام 1962 في موسم المسرح بمدينة باريس الفرنسية.

وارتأت “الموعد اليومي” إحياءً لهذه المناسبة أن تتحدث إلى بعض المختصين في المسرح عن واقع المسرح الجزائري في ظل سياسة التقشف ومقارنته مع زمن البحبوحة، وكذا عن مستوى الأعمال المسرحية التي أنجزت مؤخرا خاصة من طرف الجيل الجديد.

 

طارق ناصري (رئيس جمعية الفنانين الأحرار للمسرح بعزابة):

أغلب ميزانيات المهرجانات المسرحية في زمن البحبوحة كان مبالغا فيها.

لا يعرف المسرح تقشفا بل وضعه عادي، وكانت هناك بحبوحة مالية سابقا والإبداع لا يعترف بالتقشف، وهناك أعمال مسرحية أنجزت في زمن التقشف أحسن بكثير من أعمال أنجزت في زمن البحبوحة، فالتقشف لا يتحكم بالفكر بل يتحكم بماهية الممثل أو المخرج، يعني “حق التعب اشحال”، أما القيمة الفنية فتبقى ثابتة بعيدا عن حكاية التقشف. وأذكر هنا أنه توجد عدة تجارب جميلة لمخرجين شباب اعتمدوا فيها على الفرجة أكثر من خلال الكوريغرافيا والسينوغرافيا ولكن ابتعدوا عن المضمون، حيث يشعر المتفرج أنه غريب عما يشاهده على الركح، وأنجح هذه الأعمال هي القريبة من المتفرج العادي وبأسلوب بسيط ولغة الشعب، لنعطي مثالا على هذا مسرحية “ما بقاتش هدرة” و”كشرودة”، لكن تبقى المحاولات متفاوتة وهي اجتهادات لترقية المسرح الجزائري. وعن المهرجانات التي تعنى بالمسرح، فلا أظن أن هناك تقليصا كبيرا بها، ففي الأصل لم تكن هناك مهرجانات كثيرة خاصة المرسمة منها، لكن المشكل الموجود حاليا أن محافظي هذه المهرجانات يقارنون ميزانية المهرجان الحالية بالسابقة وينددون بالتقشف، فأغلب المهرجانات كانت ميزانياتها مبالغا فيها إلا بعض الاستثناءات.

 

نضال (ممثلة):

أزمة المسرح في الجزائر هي أزمة مبدعين حقيقيين

 

المسرح الجزائري محارب مغوار لا يثنيه لا تقشف الوزير ميهوبي ولا تلهيه بحبوحة الوزيرة السابقة خليدة تومي، فأزمته (المسرح) الحقيقية هي أزمة مبدعين حقيقيين، مخلصين مثقفين وأصحاب قضية.

وعن مستوى الأعمال المسرحية التي أنجزت مؤخرا خاصة من طرف الجيل الجديد، فمنها من تفتقر لنص جيد وأخرى لمخرج متمكن وأخرى لممثل مبدع، وهكذا فالمسرح يتقهقر ويتعثر، لكنه ينهض ويحاول المواصلة، ومشكلة المسرح والإبداع في الجزائر عامة تكمن في القطيعة الحاصلة بين الحاضر والماضي وغياب مرجعية أكيدة للأرشيف والتاريخ والبحث.

 

سمير زموري (ممثل مسرحي):

هناك نقص في الحركة المسرحية

 

في زمن البحبوحة كنا نشاهد عدة مشاريع لإنجاز عدة عروض مسرحية في مختلف المناسبات وفي عدة مهرجانات، حيث كانت هناك حركة مسرحية وهي في الحقيقة حركة مفبركة، ومع أنه كانت هناك الأموال والمشاريع الكثيرة، ورغم دعم وزارة الثقافة لمشاريع العروض المسرحية، لكن الأمر المؤسف أن تلك العروض لم تكن بشكل منتظم وصحيح، وأعطي المثال التالي للتوضيح، يدعم مشروع مسرحي بسلسلة من العروض من 15 إلى 20 عرضا، وبعد ذلك يتم مخالفتها، وهذا هو الشيء السلبي في زمن البحبوحة لأن هناك انتاجات مسرحية دعمت ومع مرور الوقت وزوال عقد البرمجة للمشروع، لا نجد أثرا لتلك العروض، وحتى المتفرج والمتلقي في بعض الأحيان لا ينال الحق في مشاهدة هذه العروض. وعن تقييمي لزمن التقشف أعود إلى الجمعيات التي لها تقاليد مسرحية، نشاهد جمعيات أو فرقا مسرحية متواجدة على مستوى مختلف ولايات الوطن، هذه الجمعيات بالرغم من عدم وجود إمكانيات مادية ما زالت تواصل في الإبداع المسرحي، وهناك بعض الجمعيات والفرق المسرحية لم يؤثر عليها التقشف، لأن الهدف عند هذه الجمعيات والفرق المسرحية هو ممارسة المسرح والإبداع المسرحي بالاستمرارية بعكس فرق أخرى كانت تعول على الدعم المادي من الوزارة الوصية وفي غيابه لا تقوم بأي مشروع مسرحي.

وبصفتي فنان أنتقد هده الفترة (زمن البحبوحة) التي كان أثرها سلبي على الحركة المسرحية والإبداع والتطور المسرحي.

أما مستوى العروض للجيل الجديد فماعدا بعض العروض المسرحية التي تعد على الأصابع، فالمستوى تراجع كثيرا مقارنة بما كان يقدمه الجيل القديم، ورغم أننا في عصر التكنولوجيا والفن المعاصر، نشاهد تراجعا كبيرا للإبداع المسرحي، وهذا ناتج عن غياب سياسة التكوين، وبدوري كمكون أؤكد دائما وأصر على إجراء دورات تكوينية للجيل الجديد من الشباب حتى يعرف هدا الأخير كل التقنيات الموجودة في الفن المسرحي، وفي أغلب الأحيان الجيل الجديد يشتغل بطريقة عشوائية، وهناك طاقات شبانية، المادة

الخام موجودة لديها، لكن المشكل المطروح يكمن في غياب التكوين، والتكوين ضروري وأساسي لخلق ديناميكية مسرحية ذات مستوى عالي، وأنا أظن أن التكوين والتوجيه الصحيح والسليم للجيل الجديد يكون فيه استمرارية للجيل السابق أمثال علولة وعبد الرحمان كاكي وكاتب ياسين وأتمنى أن يكون خير خلف لخير سلف.

 

جمال قرمي (ممثل ومخرج مسرحي):

المسرح الجزائري عرف أحسن فتراته حين ارتفعت أسعار النفط

 

عرف المسرح الجزائري أزهى فتراته في زمن ارتفاع أسعار النفط، نشاطاً وإنتاجاً وانفتاحاً على الوجوه الجديدة، في حقول الإخراج والسينوغرافيا والتمثيل والموسيقى والنصّ والتعبير الجسدي نشأت عشرات الجمعيات والفرق والتعاونيات المسرحية المستقلّة منها من يرغب في الإبداع والآخر الطمع في المال،  إذ كان الحصول على الدعم من وزارة الثقافة مفتوحاً على مصراعيه، خاصّة خلال التظاهرات الثقافية الكبرى، مثل “الجزائر عاصمة الثقافة العربية” عام 2007، و”المهرجان الثقافي الإفريقي” عام 2008، و”تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية” عام 2011، و”قسنطينة عاصمة الثقافة الإسلامية” عام 2015.

أدى غياب إستراتيجية واعية بالرهانات الفنية إلى أن يصبح الهاجس المالي، في هذه المرحلة، مهيمناً فوق ما تسمح به هذه الرّهانات. الأزمة الاقتصادية التي تعرفها البلاد في الآونة الأخيرة، أثرت بشكل كبير على النشاط الركحي في بلادنا، بحيث أن الإنتاج والتوزيع شهد تراجعا في الآونة الأخيرة بسبب سياسة ترشيد النفقات المتبعة، أنا متفائل بعودة المياه إلى مجاريها، واستعادة المسرح الجزائري لبريقه المعهود في المستقبل القريب، وعلى الممارسة المسرحية أن تدخل في القواعد الاقتصادية وكذا بثقافة “السبونسورينغ” أو ما يعرف بالاستثمار وإشراك الخواص في قطاع الثقافة، هذا الأمر لا يزال اليوم ناقصا، لكن مع مرور الوقت ستترسخ هذه الثقافة، مستقبلا بما يسمح بترقية الفعل الإبداعي في بلادنا. الإنتاج يتأثر دائما بهذه العوامل المذكورة دون أن ننسى كذلك التوزيع الذي يعتبر حلقة مهمة في الإنتاج المسرحي، وعليه فإنه في ظل سياسة التقشف من الطبيعي أن تكون هناك إعادة نظر ومراجعة لخريطة توزيع مختلف العروض المسرحية، حيث في السابق كانت البلديات، الولايات، دور ومديريات الثقافة وحتى الشباب والرياضة، والمؤسسات الاقتصادية والشركات الخاصة تساهم بصفة عامة، في عملية توزيع المسرحيات… كانت تبرم عقودا في هذا المجال مع هذه القطاعات الفاعلة، لكن في السنوات الأخيرة تلاشت هذه العلاقة بسبب سياسة ترشيد النفقات التي يعرفها العام والخاص. ليقتصر التوزيع اليوم فقط على المسارح ومختلف دور الثقافة، لكن بالرغم من ذلك هذا لا يثنينا ويمنعنا من النشاط وتقديم أعمال مسرحية في مستوى تطلعات الجمهور الجزائري.

المهم المسرح ما زال موجوداً لأن هناك من يمارسه بطرق وبصعوبات مختلفة، وربما من طبيعة المسرح أن يشتغل في الصعوبات بعكس التعبيرات الأخرى التي تمر بسهولة وهذا ما يميز المسرح.

وخلال السنوات الأخيرة استطعنا أن نكتشف ونطلع على الحركة المسرحية في الجزائر بطرح جديد عندما تشعر بالاهتمام بكل عناصر العرض من نص، سينوغرافيا وملابس وإضاءة، حيث هناك عروض قيمة لمبدعين شباب ينقصهم الترويج لأعمالهم تبشر بمستقبل زاهر للحركة المسرحية بنظرة متطورة تتماشى والتطور العلمي والتكنولوجي، تبقى مسألة الذوق الفني عند المتلقي مشكلة تنسيق بين كل الميادين ووضع آليات صحيحة لتأسيس مشروع مجتمع يخدم الحركة الثقافية عامة والمسرحية خاصة.

 

فتيحة وراد (ممثلة ورئيسة تعاونية مسرحية):

المسرح الجزائري يعاني من تقشف ذهني

 

أصبح يوم 27 مارس تقليدا عالميا للاحتفال بالمسرح والجزائر من بين البلدان التي تحتفل بهذه المناسبة بتنظيم عدة نشاطات مرتبطة بالحدث. أما عن واقع المسرح الجزائري فأقول إن مشكلته ليست في قلة الامكانيات بسبب التقشف، بل هو يعاني من تقشف ذهني، فهناك تقشف في الأداء، وفي غياب نصوص مسرحية جيدة وذات مستوى رفيع، خاصة أمام إبعاد المسرحيين الحقيقيين الذين تكونوا ودرسوا في معاهد متخصصة وعلى يد عمالقة في المسرح، إضافة إلى غياب مكان يلتقي فيه المسرحيون من مؤلفين ومخرجين وممثلين لمناقشة واقع المسرح وإشراك الجميع في خلق نصوص مسرحية تطرح قضايا يعيشها الشعب الجزائري بمختلف فئاته.

 

علي جبارة (ممثل ومخرج مسرحي):

عصر البحبوحة استفاد منه الدخلاء

 

في زمن التقشف أو ما يعرف أيضا بترشيد النفقات، لم يبق في الميدان إلا أصحاب المهنة الحقيقيين، لأنه في عهد البحبوحة أو فترة وزارة الوزيرة السابقة خليدة تومي استفاد الدخلاء. وأشير إلى أنه وفي الوقت الحالي انجزت أعمال مسرحية أحسن بكثير من الأعمال المسرحية التي انجزت في زمن البحبوحة، والدليل الأسماء التي أصبحت تعمل حاليا كانت مهمشة وقت البحبوحة، وهده الأخيرة (البحبوحة) أفرزت دخلاء على القطاع الثقافي ورغم قلة الإمكانيات سنرى أعمالا جيدة بكل تأكيد، ويجب أيضا فتح القطاع للخواص بشرط تقنين القطاع وتوفير القاعات المغلقة على المستوى الوطني وكأحسن دليل على ذلك تجربة بلدية الجزائر الوسطى، وأتمنى من رؤساء البلديات فتح فضاءات مماثلة للسينما والمسرح، ويجب الاستثمار في القطاع بقوانين كما فعلت الدولة مع الصحافة والقنوات التلفزيونية الجديدة.

وعن مستوى الأعمال المسرحية التي تنجز حاليا من طرف الجيل الجديد، أقول إن مستواها لا بأس به ويبشر بالخير، ويجب إعطاء الفرصة للمبدعين الشباب والاحتكاك بقامات المسرح لاكتساب الخبرة والتجربة. ولا أنكر أن هناك أسماء شابة تمارس المسرح برزت وتقدم أعمالا ذات مستوى جيد.

كلمتهم: حورية/ ق