يحيي العالم، اليوم، اليوم العالمي للغَة الأم، باعتبارها عاملًا أساسياً لاكتشاف وتعزيز التنمية الشخصية، والهوية الثقافية، والتفاهم ما بين الثقافات المتنوعة، بالإضافة إلى كون اللغة الوسيلة الرئيسية للتواصل
الاجتماعي، كما أنها تشجع أيضاً على تطوير التقاليد اللغوية والثقافية في كافة أنحاء العالم، وستساهم في تحقيق التضامن المبني على التفاهم والتسامح والحوار، كذلك هي أداة لإشباع حاجات المتعلم وتحقيق الاطمئنان النفسي له، وفي النهاية هي أداة للتعليم والتعلم بجميع أشكاله.
ويأتي الاحتفال هذه السنة في وقت تتفاقم فيه الأخطار المحدقة بالتنوع اللغوي، فاللغة وسيلة جوهرية للتواصل بكافة أنواعه، والتواصل هو ما يجعل التغيير والتطور ممكنا في المجتمع البشري. فاستخدام أو عدم استخدام لغة معينة كفيل بفتح أو بسدّ الأبواب أمام شرائح واسعة من المجتمع.
ويقصد باللغة الأم تلك اللغة التي رضعها الطفل من ثدي أمه ونسج بها كلماته وجمله الأولى التي نطق بها لأول مرة واستعملها في صباه داخل البيئة التي يعيش فيها بكل مكوناتها الثقافية والحضارية، بل إن اللغة الأم هي الهوية والكينونة.
الأمازيغية… من المطالبة بترسيمها إلى الاحتفال بها

وتعد الأمازيغية من أقدم اللغات العالمية إلى جانب اللغات المصرية القديمة والفينيقية والإغريقية والعبرية والكوشية. وقد وصلت إلينا عن طريق التداول بشمال إفريقيا، فهي لغة قائمة بذاتها لها لهجاتها المنبثقة عنها والتي تلتقي في أصل واحد بصورة واضحة، لا في معطياتها النظرية فحسب، ولكن حتى في معطياتها المتصلة بالممارسة والاستعمال، ورغم قدم اللغة الأمازيغية فما زالت حية محافظة على كيانها الذاتي، يتخاطب بها الناس في تلقائية وعفوية وقابلة للانتعاش و الازدهار. وقد صنفت اللغة الأمازيغية في البداية من طرف الباحثين ضمن اللغات السامية، الحامية إلى جانب اللغة المصرية القديمة، وتصنف الآن حسب المدرسة الأنجلوساكسونية ضمن اللغات الأفرو آسيوية.
وقد كانت الأمازيغية لغة كتابة منذ العصور القديمة، وقد كتبها أجدادنا الأمازيغ ونقشوها إما على شواهد القبور واللوحات الحجرية وإما مع النقوش الصخرية في كل ركن من أركان شمال إفريقيا والصحراء الكبرى، وتعرف هذه الكتابة الأمازيغية بتسميات مختلفة لدى الباحثين مثل الكتابة الليبيكية البربرية أو الكتابة الليبية الأمازيغية أو تيفناغ أو بالكتابة الأمازيغية، ويعود أول اكتشاف لكتابة تيفناغ إلى سنة 1631، إذ عثر الباحث طوماس داركو في مدينة دوكا وعلى جدار ضريح ماسينيسا على نقيشة مزدوجة الكتابة الأمازيغية والبونية والتي درست في أواخر القرن 19 م وبداية القرن 20 م.
وتيفناغ لغة مركبة من كلمتين (تيفي – ناغ ) أي اكتشافنا واختراعنا وبمعنى أدق كتابتنا وخطنا الذي ابتكرناه وقد كان عدد حروفها في البداية 16 حرفا صامتا ثم صار 23 حرفا صامتا في عهد المملكة المازيلية النوميدية. فأضيفت إلى الحروف الصامتة في زمن متأخر، حركات أو حروف متحركة، وقد كان الأمازيغيون القدماء يكتبون بحروف تيفناغ من الأعلى إلى الأسفل في أول عهدهم بالكتابة، ثم كتبوا في جميع الإتجاهات، ودام ذلك الوضع إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، حيث أخذ التوارق يستقرون على الكتابة من اليمين إلى اليسار تقليدا لما هو معمول به في العربية. بينما كتبها أبناء الحركة الثقافية الأمازيغية منذ منتصف القرن العشرين من اليسار إلى اليمين وقد خضعت الكتابة الأمازيغية تيفناغ لمجموعة من التطورات ليصبح عدد حروفها حاليا 33 حرفا تعرف باسم TIFINAGH _ IRCAM .
ترسيم الأمازيغية ..حدث يحتفي به الشعب

أكد الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية سي الهاشمي عصاد أن ترسيم الأمازيغية قد كرس “نهائيا” من خلال اعتمادها من قبل كل الشعب الجزائري كلغة وطنية و رسمية و “لبنة اضافية” لوحدته الوطنية.
وأكد الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية أن “التوصل إلى هذا المسار المؤسس الذي ترجم بالإعلان عن وضع رسمي في التعديل الجديد للدستور، إلى جانب مقوماتنا الوطنية الأخرى، الإسلام و اللغة العربية، يكرس نهائيا اعتماد الشعب الجزائري بأكمله للأمازيغية كلغة وطنية ورسمية وكلبنة إضافية لوحدته الوطنية مع تكليف الدولة بترقيتها وتطويرها، بموجب الفقرة 4 من ديباجة الدستور وأحكام مادته الـ 4”.
وأوضح أن المحافظة السامية للأمازيغية التي تعد طرفا مساهما في إطار مجموعة العمل التي وضعها الوزير الأول والمكلفة بإعداد المشروع التمهيدي للقانون العضوي المتعلق بإنشاء الأكاديمية الجزائرية للغة الأمازيغية قد استهلت سنة 2018 بمخطط أعباء يولي اهتماما كبيرا للاتصال المرتكز على ريادة الجامعي والعمل الميداني والبعد الوطني والشراكة مع الهيئات والمجتمع المدني.
وقال إنه “انطلاقا من المبررات المتعلقة بسياق الترسيم الدستوري للأمازيغية والرصيد الوحيد الذي تم جمعه منذ أزيد من عقدين، قامت المحافظة السامية للأمازيغية باعتماد خارطة طريق جديدة تتضمن سلسلة إجراءات تكيف من أجل تعاون تكاملي مع الأكاديمية الجزائرية للغة الأمازيغية”.
وأوضح أن “التصور الحالي للمحافظة السامية للأمازيغية يتمثل في وضع تحت تصرف المواطنين الجزائريين، لبرنامج نشاطات يضم جوانب علمية وثقافية وبيداغوجية”.
ملتقى حول الأمازيغية ابتداء من اليوم

تنظم المحافظة السامية للأمازيغية، من 21 إلى 23 فيفري الجاري بولاية تمنراست، ملتقى يخص جذور الأمازيغية وتاريخها وتعليمها، وذلك بمناسبة الاحتفال باليوم الدولي للغة الأم. ويشارك في هذه التظاهرة التي تتزامن هذه السنة مع ترسيم يناير عيدا وطنيا وعطلة مدفوعة الأجر، خبراء وباحثون في علم اللسانيات والاتصال، حسبما تضمنه البرنامج المعد من طرف المحافظة حول هذا النشاط. ويتضمن هذا البرنامج يوما دراسيا موضوعاتيا تتخلله موائد مستديرة تتطرق إلى جملة من المواضيع من بينها الأمازيغية تعدد لساني ومتغيرات وأخرى حول الجذور المشتركة في المتغيرات الأمازيغية وكذا تنظيم ورشتين تخص الأولى مختارات أدبية أمازيغية، والثانية، النصوص البيداغوجية لتعليم الأمازيغية إلى جانب تقديم طابع بريدي خاص بالاحتفال باليوم العالمي للغة الأم. للإشارة، فإن منظمة الأمم المتحدة قد اختارت أهمية التنوع والتعدد اللغويين من أجل التنمية المستدامة عنوانا لطبعة سنة 2018 لليوم الدولي للغة الأم. وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) قد رسمت منذ سنة 2000 تاريخ 21 فيفري يوما دوليا للغة الأم، بهدف ترقية التنوع اللغوي والثقافي، حيث يتم خلال كل سنة تنظيم ندوات وأنشطة وتظاهرات تصب في إطار تعزيز تعليم اللغات والتعرف على ثقافاتها. يذكر أن هذه التظاهرة التي تحتضنها دار الثقافة، تنظم من طرف المحافظة السامية للأمازيغية بالتنسيق مع وزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية والتكنولوجيات والرقمنة وكذا الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.