بحلول يوم 17 نوفمبر من كل عام، يخلد طلاب العالم “اليوم العالمي للطالب” ذاكرة النضالات التي خاضتها الحركة الطلابية ضد الاحتلال النازي الألماني، واستشهاد الطالب المناضل (جان أو بلاتيل) على إثر مسيرة
طلاب مدينة براغ (عاصمة تشيكوسلوفاكيا سابقا) في 13 نوفمبر 1939. وأمام تصاعد النضالات الطلابية واتساع مجالها أغلقت كافة المعاهد ومؤسسات التعليم العالي بل أقيمت مجازر رهيبة، حيث أعدمت قوات الاحتلال الألماني تسعة معتقلين وقامت بترحيل 1200 طالب إلى معسكرات الاعتقال النازية وتصفيتهم جماعة في 17 نوفمبر 1939. هكذا أعلنت الحركة الطلابية 17 نوفمبر يوما عالميا للطالب، ليصبح بعد الحرب العالمية الثانية يوما عالميا للنضال بقيادة الاتحاد العالمي للطلاب ضد الحروب الإمبريالية ومن أجل السلم والعدالة والحرية والتضامن والتحرر من الاستعمار.
الطالب الجزائري يجسد الذكرى بنضال الحصول على النقاط والشهادات
أصبحت قضية البحث عن النقاط والشهادات بكل الوسائل والطرق مشكلة قائمة بذاتها، بما أن العقلية السائدة في المجتمع الجزائري تقول إن الشهادة والنقطة هما اللتان تشرّفان الفرد وليس الفرد هو الذي يشرف بمستواه النقطة والشهادة المتحصل عليهما، أصبح الطلبة الجزائريون يلهثون وراء الحصول على أحسن النقاط و الشهادات العلمية بمختلف الوسائل التي لا تمت بصلة إلى الفعل البيداغوجي أو الدراسة والاجتهاد. و من أهم مظاهرها، الغش في الامتحانات بمختلف التقنيات والوسائل والدليل على ذلك ملفات الإحالة على مجالس التأديب المتنامية من سنة لأخرى في مختلف الجامعات الوطنية، وكذا تقديم طلبات للأساتذة والضغط عليهم في نهاية كل سنة من قبل الطلبة أنفسهم أو أوليائهم وأقاربهم أو أصدقائهم ذوي النفوذ في هياكل الإدارة الجامعية لزيادة النقاط أو تقديم نقاط رغم الغياب عن الامتحانات والإقصاء بسبب عدم الحضور طيلة السنة الجامعية.

الفراغ أو البطالة الجامعية
يقضي غالبية الطلبة أوقاتهم إما خارج الجامعة متسكعين في المدن وأزقتها، وإما في فناء وساحات الجامعة في المعاكسة أو في الجدل العقيم حول نتائج مباريات كرة القدم للفرق التي يناصرونها وحياة المشاهير والفنانين واللاعبين وغيرها. كما يقضون ليال بيضاء بسهرات فارغة، ومن انعكاسات ذلك على سلوكهم الدراسي أنهم يتغيبون عن المحاضرات والدروس التي تقدم لهم لدرجة أن بعضهم لا يعرفون بعض الأساتذة الذين درّسوهم خلال سنة كاملة، والقصص كثيرة حول الموضوع، أين يتصل طلبة بأستاذ يسألونه عن مكان وجود الأستاذ الذي يدرسهم ولا يعرفونه بأنه هو المعني بحد ذاته، كما أن البعض منهم لا يستطيعون التركيز والانتباه إذا حضروا إلى الأعمال الموجهة بسبب نقص النوم وكثرة السهرات التي تفقدهم الرغبة واللذة في الدراسة والمطالعة والميل أكثر إلى الركون والكسل، وذلك ما يجعلهم يستعملون مختلف الحيل لتبرير غياباتهم المتكررة خاصة في الأعمال الموجهة ولا ينجزون الأعمال التي يكلفون بها إلا إذا أحسوا بأنها ستحسب في التقييم، ورغم ذلك يتحايلون في انجازها من خلال اختيارهم للمواضيع الأخيرة التي يعتقدون أنهم لن يقدموها في آخر السنة، أو يلجأون إلى زملائهم من السنوات الماضية لاستنساخ مواضيعهم دون عناء أو يطبعون مواضيع من الأنترنيت مباشرة والتي لا يتعبون حتى في تغيير شكلها الخارجي وأصحابها حتى إذا سئلوا عن محتواها، نكتشف بأنهم لا يعرفون شيئا عنها بحكم أنهم لا يقرؤونها ولا يلخصونها. كما يسعى البعض من الطلبة إلى إضافة اسمه ضمن مجموعة الطلبة ليحسب بأنه قدم عملا ما. والمفارقة العجيبة أن البعض منهم عندما يقدم له موضوع للبحث منذ نوفمبر، يأتي في شهر ماي طالبا أستاذه ليذكره بالعنوان الذي كلف به، مصرحا بأنه إما نسي أو أنه لم يجد المراجع بعد سبعة أشهر من الدراسة. كما أن الكثير من الذين يتخرجون من الجامعة لم يحضروا ولو محاضرة واحدة ولا يعرفون محاور البرنامج.
غياب المطالعة والقراءة للمجلات والكتب والدوريات
فالحياة الجامعية يفترض أنها تؤسس لمناخ البحث العلمي من خلال المطالعة والمراجعة لكل جديد باعتبارها مرحلة التكوين الذاتي أين يعتمد الطالب على تكوين نفسه بنفسه، إلا أن واقع الحال في جامعاتنا يشير إلى انتشار مناخ يشابه ما هو سائد في الأحياء الشعبية لدى المراهقين كانتشار ثقافة البلوتوث وتبادل أنواع الرنات الموسيقية والأغاني والفيديوهات والصور والتباهي بتجديد آخر طراز من أنواع ماركات الهواتف النقالة، بدل أن يسود تبادل المعارف والأفكار العلمية المتجددة وتحيين المعلومات والمعارف. فالطلبة الجزائريون لا يراجعون ولا يطالعون إلا بالقدر الذي يكلفون به لإنجاز بعض الأعمال بالكيفية التي أشرنا إليها سابقا وبالقدر الذي يسمح لهم بتحضير الامتحانات.
ضرورة التكوين النوعي على حساب التكوين الكمي
تقول الأستاذة والمختصة في علم الاجتماع امازوز حسينة إن مستوى طلبتنا أصبح في تدن مستمر وأصبحت جامعاتنا غير مصنفة لا قاريا ولا إقليميا، أما عالميا فهذا طموح بعيد المنال من خلال الشروط والظروف التكوينية الحالية. وعليه أصبح من الضروري بل من الواجب مصارحة بعضنا البعض بالمشكلات الحقيقية التي تواجه مستوى تكويننا الجامعي من أجل الشروع في تشخيص أسبابه وعوامله علميا وموضوعيا، وبالتالي إيجاد الحلول المناسبة والفعالة له والتي من أهم معالمها: تفعيل دور اللجان البيداغوحية ومتابعتها لأداء دورها، ضرورة منع التكوين في أكثر من اختصاص في وقت واحد، ضرورة الصرامة والجدية في متابعة حضور الطلبة والأساتذة بشكل دوري، ضرورة إضفاء الشفافية والمصداقية على إجراءات ومعايير تقويم الطلبة في مختلف المقاييس من خلال المتابعة الدورية إداريا بتطبيق القانون البيداغوجي الساري المفعول الذي ينص على ذلك بوضوح.
ويقول لسلوس. م المختص في علم النفس التربوي إن تشجيع التأليف والطبع ودور النشر على التوزيع وتدعيم الكتاب والمقروئية ضروري، من خلال خلق فضاءات للقراءة و للنقاش والمنافسة الفكرية والعلمية بين المربين والمعلمين والأساتذة على مستوى المدارس والجامعات وبين المتعلمين والطلبة حتى في البيوت من قبل الأولياء، إلى جانب دور الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة في التحسيس، والتوعية والتوجيه في هذا الاتجاه واجب وطني تمليه علينا التحديات العالمية المعاصرة. فلا يجب أن نغرر شبابنا وأجيالنا بانتصارات وقضايا وهمية في الوقت الذي نجد دول العالم المتقدم تصنع انتصارات حقيقية لمجتمعاتها تفرض من خلالها وجودها وتتنافس على إنتاج المعارف والعلوم والتحكم في المعلومات والمعارف في مختلف المجالات كالتحكم في العلوم النووية والعلوم التكنولوجية والعسكرية والإنتاج الاقتصادي والهيمنة المالية والمؤسساتية والخبرات التقنية المتطورة لتكون لها الكلمة العليا والهيبة بين الأمم.