“إذا لم تكن لديك (المعريفة) فلا أحد ينظر إليك”
تحيي الجزائر، اليوم، اليوم العالمي للصحة، المصادف للسابع من شهر أفريل من كل عام، احتفاء بذكرى تأسيس منظمة الصحة العالمية في عام 1948.
ويعتبر يوم الصحة العالمي بمثابة حملة عالمية تدعو كل فرد، إلى التركيز على مشكلة صحية واحدة لها آثار عالمية، ويتيح يوم الصحة العالمي، بتركيزه على القضايا الصحية الجديدة والمستجدة، فرصة للشروع في عمل جماعي من أجل حماية صحة الناس وعافيتهم.
“الصحة للجميع” شعار سنة 2018
وفي كل عام يتم اختيار موضوع يوم الصحة العالمي من أجل تسليط الأضواء على أحد الاهتمامات الصحية التي توليها منظمة الصحة العالمية الأولوية.
وقالت منظمة الصحة العالمية في تقريرها، إن موضوع اليوم العالمي للصحة يهتم هذا العام بـ “التغطية الصحية الشاملة: للجميع وفي كل مكان” تحت شعار “الصحة للجميع”.
وأضافت في التقرير، أن التغطية الصحية الشاملة تحول دون وقوع الناس في براثن الفقر، إذ يضطرون إلى سداد تكاليف الرعاية الصحية، وغيابها يؤثر تأثيرا سلبيا على حياة ملايين الأشخاص والمجتمعات ورفاهيتهم في جميع أنحاء العالم، لا سيما في البلدان منخفضة الدخل، وتتيح التغطية الصحية الشاملة مزيدا من الفرص أمام الناس للعمل وكسب العيش، وتزيد فرص الأطفال في بلوغ قدراتهم الدراسية الكاملة، وهي الأساس الذي تقوم عليه التنمية الاقتصادية طويلة الأمد.
وكشف التقرير أن منظمة الصحة العالمية تأسست على المبدأ الذي يقضي بحق كل فرد في أن يتمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، ومع ذلك، يقع ما يقرب من 100 مليون إنسان في براثن الفقر الشديد، مجبرين على العيش بدخل 1.90 دولارا أمريكيا فقط أو أقل في اليوم، لأنهم يضطرون لدفع تكاليف الخدمات الصحية من جيوبهم الخاصة.
وفي إقليم شرق المتوسط، يمثل الإنفاق الشخصي المباشر 40 % من الإنفاق الصحي؛ وأكثر الأشخاص تضررا من هذا الوضع هم ذوو الدخول المنخفضة والمحرومون من الحماية الاجتماعية، ويواجه ما يصل إلى 55.5 مليون شخص في مختلف أنحاء الإقليم ضائقة مالية نتيجة لما يدفعونه من مالهم الخاص على الصحة، وتدفع هذه التكاليف ما يصل إلى 7.7 ملايين شخص إلى الوقوع في براثن الفقر، وتبلغ المدفوعات الشخصية على الخدمات الصحية أكثر من 70 % من إجمالي الإنفاق الوطني على الصحة في بعض بلدان الإقليم.
وقال الدكتور جواد المحجور، مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط بالإنابة، إن “التغطية الصحية الشاملة حق أساسي من حقوق الإنسان”، مضيفًا أن “ضمان الحق في الصحة للجميع والتغطية الصحية الشاملة وجهان لعملة واحدة، وهما الدافع لعمل المنظمة منذ إنشائها. ويتزامن يوم الصحة العالمي هذا العام مع مناسبتين خاصتين، إذ يوافق الذكرى السبعين لإنشاء منظمة الصحة العالمية والذكرى الأربعين لإعلان ألما-آتا بشأن الرعاية الصحية الأولية”.
وتحث منظمة الصحة العالمية البلدان في يوم الصحة العالمي لعام 2018 بالالتزامات التي قطعتها على نفسها عندما اعتمدت أهداف التنمية المستدامة والتزمت باتخاذ خطوات ملموسة للنهوض بجدول أعمال الصحة للجميع، وتعنى التغطية الصحية الشاملة أن يستطيع جميع الأشخاص والمجتمعات الحصول على خدمات الرعاية الصحية التي يحتاجون إليها دون أن يعانوا من ضائقة مالية.
ويستطيع كل شخص أن يحصل من خلال التغطية الصحية الشاملة على الخدمات التي تعالج أهم أسباب المرض والوفاة، مع ضمان أن تكون تلك الخدمات عالية الجودة من أجل تحسين صحة الأشخاص الذين يتلقونها.
وأضاف الدكتور المحجور أن “التغطية الصحية الشاملة تعني أيضا ضمان الحصول على الرعاية الأساسية عالية الجودة وتوفير الحماية المالية”.
وهو ما يحسن صحة الناس ويزيد متوسط عمرهم المتوقع، ليس هذا فحسب، بل ويحمي البلدان كذلك من الأوبئة، ويقلص من رقعة الفقر ويحد خطر الجوع، ويخلق فرصا للعمل، ويحفز النمو الاقتصادي، ويعزز المساواة بين الجنسين.
المستشفيات… هياكل مهترئة وتجهيزات منعدمة
وبمناسبة اليوم العالمي للصحة الذي يصادف 7 أفريل من كل عام، وقفت “الموعد اليومي” على الواقع المؤلم للصحة في الجزائر ورصدت بعض الحقائق المرة، فعلى الرغم من أن الوزارة المعنية أكدت في الكثير من المناسبات على سعيها من أجل وضع سياسة جديدة وإيجاد صيغة جديدة من أجل تطوير وتوحيد الخريطة الصحية حتى تتماشى مع المقاييس المحددة عالميا، بهدف تقريب الصحة من المواطن، إلا أن وضعية الصحة أصبحت كارثية وتحولت المستشفيات الجزائرية إلى هياكل مهترئة، إذ هناك عدد كبير من المرافق الصحية قديمة وتعود إلى الحقبة الاستعمارية وتدخل في خانة البناء الجاهز وغير الموجه للاستغلال في القطاع الصحي الذي يتطلب طابعا خاصا من المرافق، زد إلى ذلك عدم توافق طبيعة المرافق الصحية مع الوظيفة العلاجية، بالإضافة إلى تدني مستوى الخدمات الصحية في بعض المستشفيات.
الوقاية الحلقة الأضعف في السياسة الصحية الجزائرية
نبه السيد بن قونية عبد الوهاب من مصلحة الأوبئة والطب الوقائي بمستشفى مصطفى باشا، إلى ضرورة إعادة النظر المعمق والجدي في السياسة الصحية الحالية، التي لا بد أن ترتكز على الطب الوقائي أكثر من الطب العلاجي، إذ تظهر الوقاية الحلقة الأضعف في السياسة الصحية الجزائرية، ونبه كذلك على التوزيع العادل للمراكز الصحية والمستشفيات، إذ تشير الأرقام المقدمة من طرف المختص إلى وجود نوع من اللاتوازن بين مناطق الوطن. وكشف أن الهياكل الصحية المتوفرة حاليا تعكس فرقا واضحا بين جهات الوطن، بحيث تتمركز أهم الأقطاب الصحية في الشمال في وقت ما تزال مناطق الجنوب تعاني من نقص كبير في الخدمات الصحية والمختصين.
وبالأرقام، فإن القطاع الصحي العمومي يحصي 13 مستشفى جامعيا تشير الملاحظات إلى معاناتها من الاكتظاظ الكبير لدرجة عدم الوصول إلى تقديم تكوين نوعي وذي مستوى، إلى جانب31 مؤسسة إستشفائية متخصصة، 273 مؤسسة استشفائية عمومية، 1400 عيادة متعددة الخدمات، ترتكز أكثرها في المناطق الشمالية والوسطى للوطن.
قطاع الصحة في الجزائر يعد من أهم القطاعات التي تهم المواطن نظرا لخصوصيته وأهميته وتأثيره السلبي أو الإيجابي، ومن المؤكد أن الوافد على أي مستشفى ترتسم في ذهنه نظرة سلبية أو إيجابية عن طريقة استقبال المرضى وصولا إلى الإمكانيات المتوفرة بنوعيها البشري والمادي المتواجد في هذا المستشفى أو ذاك المستوصف، فقد ساهم الإقبال الكبير للمرضى على المستشفيات والقطاعات الإستشفائية من مختلف الولايات والرقابة والتفتيش في تسيب الطاقم الطبي والإداري للهياكل الصحية، وتنامي سياسة المضاربات والمزايدات في الصحة البشرية.
مستشفى مصطفى باشا الجامعي.. أبرز الهياكل الصحية
في الجولة التي قادتنا إلى أكثر المستشفيات شهرة وملجأ الجزائريين من جميع أنحاء البلاد، مستشفى مصطفى باشا الجامعي، الذي يعد من بين أبرز الهياكل الصحية في العاصمة والوطن نظرا لما يتوفر عليه من مصالح وتجهيزات حديثة وطاقم طبي كفء تفتقر إليه جل الهياكل الصحية الأخرى المتواجدة عبر تراب الوطن.
وأنت تلج هذا المرفق الصحي الكبير، يتخيل إليك أن المرضى أكثر عددا من الأصحاء، فلا توجد مصلحة بها أماكن شاغرة، وأصحاب المآزر بمختلف ألوانها البيضاء والخضراء يجوبون الأروقة ذهابا وإيّابا، إذ يوجد أطباء وممرضون وممرضات، ولكن الكل تائه وكأنهم غير موجودين ولا معنيين بالمرضى الذين يتوافدون يوميا في حالة يأس من التكفل بهم على أكمل وجه.
المواعيد إلى أجل غير مسمى والعمليات لمن استطاع إليها سبيلا
يعاني المواطنون من بعض النقائص والتدني في مستوى الخدمات الطبية وفي مقدمتها تراخي بعض الأطباء كعدم احترامهم للمواعيد الطبية، حيث يحددون مواعيد للمرضى قصد فحصهم أو علاجهم، إلا أن المواطن يتفاجأ لعدم حضور الطبيب أو خروجه قبل الموعد، وهذا أمر غير مقبول، والأخطر من هذا فإن هناك بعض الأطباء يحولون بعض المرضى من القطاع العام إلى القطاع الخاص من أجل إجراء فحوص وتحليلات هي متوفرة في المستشفيات العمومية وحتى لإجراء عمليات جراحية التي يمكن القيام بها في المستشفى.
‘الموعد اليومي” تنقلت إلى مصلحة العلاج الكيميائي والإشعاعي، بمركز بيار وماري كوري، أين كانت لنا دردشة مع البعض من المتواجدين هناك والذين تظهر عليهم علامات الأسى واليأس، كشف لنا السيد “صالح.م” أنه مصاب بسرطان القولون وهو في بداية مرحلة العلاج الكيميائي التي تأتي مباشرة بعد نجاح العملية الجراحية، ليتم بعدها الإنتقال مباشرة للعلاج بالأشعة، في مدة لا يجب أن تتجاوز الستة أسابيع، مشيرا إلى أن العمليات لمن استطاع إليها سبيلا، اللهم إلا إجراء فحوص عادية في الطب العام، فيما يتم تأجيل المواعيد إلى أشهر أخرى. فبعد عناء الذهاب والإياب للظفر بموعد لإجراء عملية ما يبقى كل مريض وحظه، فمواعيد المستشفى تطول عادة وأكثرها ستة أشهر وأقلها ثلاثة أشهر، فالمرضى القادمون من الولايات الشرقية والجنوبية هم الأكثر انتشارا عبر مختلف مصالح المستشفى، وكل مريض ومرضه ومعاناته.
وصلنا إلى مصلحة طب العظام، التي تعتبر هي الأخرى من بين أهم المصالح التي تعرف إقبالا واسعا من طرف المرضى، اقتربنا من أحد الموجودين هناك والذي كان ينتظر دوره من أجل الفحص بعد سقوطه من فوق سطح عمارة.
سألناه عن الاستقبال وطريقة التكفل داخل المستشفى، فأجابنا بنبرة تملؤها الحسرة “إذا لم تكن لديك (المعريفة) فلا أحد ينظر إليك”، وترك الحكم لنا ولضمير الأطباء العاملين بالمستشفى.
وفي هذا الصدد، اقتربنا من أحد الأطباء الذي سألناه عن ظروف استقبال المرضى، فقال إن الطبيب يوميا يتعامل مع ذهنيات كثيرة ولا بد له من التحلي بالصبر، نافيا أن تكون هناك ازدواجية في التعامل مع المرضى.
نفس الصورة ترتسم في مصلحة الجهاز الهضمي، جموع كبيرة من المرضى والزائرين يجوبون أروقة هذه المصلحة، اقتربنا من إحدى المرضى وهي تنتظر دورها من أجل الفحص، سألناها عن الاستقبال وطريقة تعامل الأطباء والممرضين، فردت “إن الكل يعمل كيما يحب”، مشيرة إلى أن المشكل ليس في الأطباء و قالت : ” الأطباء و الحمد لله هم يتكفلون بنا على و يساعدونا و يخففون من آلامنا، المشكل كما أكدت و بكل حسرة في الممرضات وكذا أعوان الأمن الذين يتعاملون معنا وكأننا لسنا ببشر مثلهم، فيتجاهلوننا ويشمئزون منا”.
ونحن خارجون من مستشفى مصطفى باشا، حملنا في أذهاننا تساؤلا عن حال الصحة في الولايات الأخرى خاصة في المناطق النائية، أين تزداد معاناة المرضى في ظل غياب التكفل والرعاية الصحية اللازمة ونقص الوسائل المادية والبشرية والتي جعلت من سكان المناطق النائية ضحايا فقط لأنهم يقطنون بعيدا عن المدينة.
النظافة… الغائب الأكبر في مستشفياتنا
رغم أن المؤسسات الإستشفائية الكبيرة تتوفر على إمكانيات بشرية ومادية معتبرة، إلا أن التسيير البشري للموظفين غلب عليه الطابع المجحف خاصة من طرف عمال المستشفيات الذين يستقبلون ببرودة المرضى وإن كانوا في حالات استعجالية.
مستشفى ”سليم زميرلي” الذي يثير انزعاج واستياء مرضاه، حيث تنعدم فيه أدنى الشروط الخاصة بالاستقبال من جهة، وانعدام الاهتمام بالمرضى من جهة أخرى، الأمر الذي يتسبب في الغالب في امتعاض المرضى وكذا زوارهم، خاصة من ناحية النظافة هذا العامل الأساسي الذي يعتبر من أهم العوامل التي يجب أن تركز عليها إدارة مستشفيات العاصمة، لأجل راحة وسلامة المرضى قبل كل شيء.
وانعدام النظافة بمستشفياتنا، ليس العامل الوحيد الذي يثير استياء مرضانا، فغياب الاهتمام بالمريض دافع آخر للإزعاج، فبالرغم من أن مستشفى ”سليم زميرلي” معروف باستقبال الحالات المستعجلة والخاصة، إلا أن سوء الاستقبال والتوجيه وحالة اللف والدوران الذي يجد المريض نفسه فيها قبل أن يلقى علاجه، أكدت لنا من خلال ما ذكره لنا عدد من زوار المستشفى أنها تثير السخط والاستياء، خصوصا وأن كثرة الأطباء والعاملين تجعل من الممكن جدا حسن التصرف والاستقبال عوض ”إذلال المرضى” ، مثلما ذكر البعض.
من جهة أخرى، أكد مختلف المرضى الذين تحدثنا إليهم في مصلحة التوليد بـ “بارني” انعدام النظافة التي باتت تساهم في انتشار الأمراض باعتبارهم أول المتضررين الذين يدخلون لمعالجة مرض معين حتى يصابون بأمراض أخرى، خاصة المولودون الجدد الذين يصابون ببعض الأمراض نتيجة الميكروبات، الأمر الذي يؤدي بعائلاتهم إلى التسارع بين المستشفيات من جهة والعيادات الخاصة لتفادي الآثار الناتجة عن الأمراض التي باتت تنتشر كالطفيليات.
مصالح الولادة تحت رحمة الاكتظاظ
اشتكت العديد من النساء الحوامل بقسم النساء والتوليد بمستشفى ”بارني” المتواجد ببلدية حسين داي بالعاصمة، من سوء الاستقبال والإهمال على غرار باقي أقسام التوليد المتواجدة على مستوى مستشفيات ولاية الجزائر العاصمة، واللاتي عبرن عن استيائهن الشديد من المعاملة السيئة وطريقة الرفض التي تقابلن بها أثناء توجههن إلى هذه الأخيرة من أجل الوضع، حيث أجبرت الكثيرات منهن على التوجه إلى عيادات خاصة ومستشفيات أخرى، وهن في حالة جد حرجة، كما لا تزال المصلحة تحت رحمة الاكتظاظ وانعدام النظافة. من ناحية أخرى، صرحت إحدى النساء الحوامل بحجم المعاناة التي تتلقاها النساء الحوامل قبل عملية الوضع، مؤكدة في ذات السياق أنهن اضطررن في العديد من المرات إلى التنقل من مستشفى لآخر بحثا عن من يتكفل بحالتهن الصحية الحرجة. وما زاد من استياء الحوامل هي الحالة المزرية التي يتخبطون فيها في ظل انعدام أدنى اهتمام من طرف الأطباء والممرضين، مضيفة في ذات السياق أنهن غالبا ما تلدن داخل سيارات أزواجهن بل أكثر من ذلك في سيارات “الكلونديستان”.
الوضع بهذه المستشفيات بات حرجا للغاية، بحاجة إلى التفاتة من قبل المسؤولين، وعلى رأسهم وزارة الصحة، ”في ظل المطالب التي ما فتئت تتزايد من قبل عمال المستشفيات، الذين يبحثون عن حقوقهم في الوقت الذي يضيعون فيه حقوق الغير وينسون واجباتهم”.
ندرة الدواء.. مشكل آخر يواجهه المرضى يوميا
يشتكي مئات المرضى عبر مناطق مختلفة من الوطن من ندرة حادة في بعض الأدوية وغيابها عن الصيدليات رغم حاجتهم الملحة لهذه الأدوية التي من شأنها التخفيف من حدة المرض.
الندرة حسب الصيادلة مست أصحاب الأمراض المزمنة على غرار مرضى الحساسية والربو، وفي ظل الانتشار الواسع لهذا المرض عبر كامل تراب الوطن، إذ يضطر الكثيرون للبحث عن حاجتهم أياما متواصلة، فيما يعاود البعض الاتصال بالطبيب المعالج لتغيير نوعية الدواء في ظل مشكلة انعدام الأدوية البديلة، الأمر الذي أرغم البعض على التنقل حتى إلى ولايات أخرى و للظفر بالدواء المطلوب، كما شملت الأزمة مرضى السكري الذين يعانون من نقص مادة الأنسولين، كذلك الأمر بالنسبة لمرضى القلب الذين يفتقدون لدواء “دوقوكسيل”، بالإضافة إلى مرضى الجلد والعيون وبعض الأمراض الأخرى، الأمر الذي جعل بعض المرضى يبدون تذمرهم الشديد في ظل حاجتهم الضرورية لهذه الأدوية للتخفيف من حدة المرض، مناشدين الجهات الوصية ضرورة السعي الجاد لتوفير ما يحتاجونه من الأدوية للتخفيف من معاناتهم مع المرض.
فلم تعد آلام المرض تسبب قلقا للمريض بقدر ما أصبح البحث عن الدواء هو “الداء” المزمن للمرضى على حد سواء، حيث يجد المريض نفسه محاصرا بين آلام المرض ومشقة البحث عن الدواء، وهو ما دفع كثيرا من المرضى إلى إحضاره من الخارج مهما كان ثمنه، خاصة أصحاب الأمراض الخطيرة والمزمنة، ولا أحد يعرف أين المشكل ومن المتسبب فيه أمام المظاهر المؤسفة التي نلاحظها سواء على مستوى الصيدليات العمومية أو المركزية أم تلك التابعة للقطاع الخاص، المشكل يعود إلى ندرة المواد الصيدلانية لاسيما والعديد منها يستورد من الخارج ويكلف خزينة الدولة غاليا، وقد كان هذا العامل الفضاء المتاح لتجار الأدوية في استعمال المحاباة والمحسوبية في توزيع الدواء، وهو السؤال الذي طالما ردده المرضى وهم يعيشون حالة التذمر والاستياء لمعرفة المسؤول عن غياب الدواء أو نقصانه وعدم توفره، وإذا ما كانت حياة المواطن ستبقى بيد الوكلاء يتحكمون بها كما يشاءون، بسبب تأخر وصول الكميات التي يقومون باستيرادها.
النفايات الطبية.. مسؤولية من؟
يقدّر مخزون النفايات الطبية في الجزائر بثلاثين ألف طن يتم لفظها كل عام، ويجري قذفها غالبا داخل المفرغات العامة، رغم خطورتها البالغة على صحة الأشخاص وتهديدها الصريح للبيئة بحكم احتوائها على مواد كيمائية سامة وكم هائل من الميكروبات والجراثيم التي تنتشر بسرعة وتتحلّل في الهواء، في الوقت الذي تمتلك فيه الجزائر ما لا يقل عن 348 جهازا لحرق النفايات الاستشفائية، و1500 مهني مختص، إلا أن الجزائر تمكنت من انجاز 460 مخططًا على مدار الـ 11 سنة المنقضية، بفضل البرنامج المحلي لتسيير النفايات، وإتمام مائة مركز لردم النفايات، وجرى إنشاء 26 مؤسسة ملحقة بهذا الصدد.
وفي وقت سابق، أشار وزير البيئة الأسبق شريف رحماني إلى تفكير حثيث في إنشاء مراكز محلية مختصة بمعالجة وتسيير هذا النوع من النفايات، بجانب اهتمام الجهات الرسمية بإعادة تدوير النفايات المكدسة، بعدما بيّن تقرير حديث أنّ الخزانة العامة تتكبد نحو سبعة ملايير دولار جراء تقاعس السلطات فيما مضى عن تسيير ثلاثة ملايين طن من النفايات المتراكمة.
ومن جهته، قال خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة “فورام”، إن الدراسات والأبحاث العلمية المعدة مؤخرا، أكدت وجود كميات معتبرة من هذه النفايات تصبّ مباشرة في المفارغ العمومية البعيدة عن المراقبة، وكأنها قمامة عادية، علما أن الأمر يتعلق بكمادات وميكروبات وجراثيم ومواد صيدلانية وكيماوية سامة وحتى إشعاعية، وأجزاء أو أعضاء من جسم الإنسان، خاصة تلك المتعلقة بقسم الولادات، وذلك في غياب تدخلات ردعية من طرف الجهات الوصية، التي من شأنها وضع حد لمثل هذه التجاوزات المهددة للصحة العمومية والثروة الحيوانية النباتية والبيئة ككل، مؤكدا أن هذا الأمر يدفعنا إلى التساؤل عن وجود مؤسسات استشفائية عامة وكذا الخاصة، إضافة إلى المخابر، تفتقر حتى الآن إلى أماكن مخصصة للقضاء على النفايات الطبية، بالكيفية المناسبة والفعالة، مثلها مثل باقي الدول.
وأشار رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث “فورام” إلى تأثير النفايات الإستشفائية على عمال مصالح النظافة للبلديات نتيجة نقلهم لهذه المواد الخطيرة، زيادة على أن عملية الحرق ينتج عنها تلوث جوي، الأمر الذي يجعل الإنسان عرضة لأخطار الإصابات بفيروسات متنقلة ومعدية قد تكون قاتلة أحيانا، خاصة وأن المفارغ العمومية توجد بها الحيوانات المختلفة كالأبقار والماعز والكلاب والقطط، التي تتغذى من النفايات وكذا الحشرات المغذية التي تعمل على نقل الأمراض للإنسان. واعتبر أن قضية التخلص من النفايات الإستشفائية، التي دأبت الهياكل الصحية على طرحها بشكل يومي، لاتزال بعيدة كل البعد عن الاهتمام الجدي في تسييرها ومعالجتها من طرف المسؤولين، بالرغم من الأصوات العديدة التي تتعالى بين الفترة والأخرى بوجوب إعطاء هذا الملف ما يستحقه من العناية الكافية، لكي نجنّب السكان أوبئة فتاكة، نتيجة الاحتكاك المباشر بهذه النفايات.
فوضعية المستشفيات تتأزم وواقع الصحة في الجزائر يتقدم من السيء إلى الأسوإ، مستشفيات يقول عنها الأطباء أنها أصبحت أشبه بالمحتشدات، وأنها تحولت إلى ناقل للمرض، وليس وسيلة للعلاج.