ما تزال قضايا الاعتداءات على الأطفال تصنع الحدث في المجتمع الجزائري، خاصة مع ارتفاع عدد الضحايا تزامنا مع اليوم العالمي للأطفال ضحايا الاعتداءات المصادف للرابع جوان من كل عام، حيث تكون هذه المناسبة بمثابة وقفة تأملية في قضايا الاعتداءات التي تطال الأطفال سواء كانت جسدية أو جنسية في ظل الاشكالية الكبيرة حول إلغاء عقوبة الاعدام في حق قاتلي الأطفال خاصة والقاتلين عامة مع تمسك وزارة العدل بالعقوبة.
إشادة أممية بإنجازات الجزائر في مجال الطفولة
أشاد ممثل مكتب الأمم المتحدة للطفولة بالجزائر، بإنجازات الجزائر في مجال حماية الطفولة، والتي شهدت تقدماً ملحوظاً استناداً إلى عملية مسح قام بها مكتب الأمم المتحدة للطفولة، لا سيما في مجالي الصحة والتربية، مشدداً على أهمية إشراك الطفل وتمكينه من الدفاع عن حقوقه.
الاعتداءات الجنسية تتصدر القائمة
يتصدر الاعتداء الجنسي قائمة الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال، وكشفت “الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل”، عن تعرض أكثر من تسعة آلاف طفل لاعتداء جنسي سنوياً، مشددة على أن هذا الرقم يخص الحالات المعلن والمصرح بها فقط، ولا تشمل حالات الاعتداءات التي يتستر عليها أهالي الأطفال الضحايا، مرجعة السبب الرئيس وراء تزايد حالات الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال إلى هشاشة منظومة حماية الطفل، وأولها التستر على الجريمة لخوف أهل الضحية أو الضحايا، من رد فعل محيطهم.
من جهته، قال رئيس الهيئة الجزائرية لترقية الصحة وتطوير البحث، مصطفى خياطي، إن 13 ألف طفل يتم تقديمهم إلى الجهات القضائية، كما عبر عن قلقه من تصاعد منحى الوفيات وسط هذه الفئة، إذ يتم تسجيل 10 آلاف وفاة سنوياً لأسباب مختلفة بارتفاع قياسي، إلى جانب تعرض 32 ألف طفل للاعتداءات الخطيرة، مشيراً إلى أن نسبة تفوق 50 في المئة من الأولياء لا يعرضون أبناءهم على الأطباء بعد تعرضهم للاعتداء.
الجزائر بحاجة لاستحداث آليات جديدة
يرى المحامي سمير إيزا أن القانون الجزائري صارم جداً فيما يتعلق بحماية الأطفال، بخاصة في حالات الاعتداءات الجنسية والاختطافات، التي تصل عقوباتها إلى الإعدام الذي يبقى من دون تنفيذ على الرغم من المطالب الشعبية المتكررة بضرورة تطبيقه عندما يتعلق الأمر بجرائم ضد الأطفال، مشدداً على أن الجزائر بحاجة إلى آليات اجتماعية سريعة وقوية تضمن التدخل في أي وقت لحماية الطفل من أي انتهاكات بما فيها داخل العائلة، من أجل ردع من تسول له نفسه المساس بـالأطفال.
وبيّن المتحدث أن الآليات المعمول بها حالياً تجاوزها الزمن على الرغم من أن التشريع جديد، فإن تطبيقه ما يزال يتبع أساليب السبعينيات، وقال إن الضحية تحتاج إلى رد فعل قوي وسريع لصالحها، ثم تأتي بعدها مرحلة الإجراءات القضائية والتحريات والتحقيقات الأمنية.
الاعدام مشرع في قانون العقوبات
لقد تم تجميد تنفيذ عقوبة الاعدام سنة 1993 غير أن الجهات المعنية تراجعت عن هذا القرار، ففي قانون العقوبات الجزائري مجموعة من الجرائم التي تحدد عقوبتها بالإعدام كالتي تخص الجنايات والجنح ضد أمن الدولة وفي القسم الخاص بجرائم الخيانة والتجسس والذي تنص عليه المادة 61 من القانون رقم 23-06 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، أما فيما يتعلق بجرائم القتل العمدي والقتل مع سبق الاصرار والترصد وقتل الأصول والاطفال والتسميم والتعذيب، فإن العقوبة المحددة هي الاعدام حيث يعاقب كل من ارتكب جريمة القتل أو قتل الأصول أو التسميم بالإعدام حسب نص المادة 261 من قانون العقوبات.
المحامية فاطمة الزهراء بن براهم: “عقوبة الاعدام ضد قاتلي الأطفال ليست حلا”
قالت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم في تصريحاتها للصحافة إن قضايا اختفاء الأطفال المسجلة في الماضي كانت تنتهي عند ايداع شكوى من طرف العائلة، لأنه عندما لا يعثر على جثة الطفل ولا تتوفر الأدلة لتوقيف الجاني، تقيد القضية ضد مجهول، مضيفة أن عقوبة الاعدام التي أصبحت مطلبا شعبيا بعد استفحال هذه الجرائم ليست الحل لاقتلاع الظاهرة من جذورها، مشيرة إلى أن المتورطين في هذا النوع من الجرائم يمكن أن يكونوا موضوع دراسة لتفسير وتحليل الظاهرة، وربطت الحقوقية والمحامية فاطمة الزهراء بن براهم ظاهرة اختطاف الأطفال وقتلهم بانتشار الدعارة العشوائية في المجتمع، وقالت إن حالات الاختطاف لغرض الاعتداء الجنسي لا تمس فئة الأطفال وحدهم، بل مست مؤخرا حتى المسنين والراشدين من الجنسين، كما تعدت هوية المجرمين إلى المعلمين والأئمة والمربين وأفراد العائلة وليس الشباب المنحرف فقط، مشيرة إلى أن أغلب قضايا الاختطافات المتبوعة بالقتل والتنكيل تفتقد إلى الأدلة العلمية والجنائية التي تثبت تورط بعض المجرمين، بالإضافة إلى غياب جثث بعض الأطفال.
أما عن تجميد حكم الإعدام، فقد تساءلت المحامية إن كان المحامي والقاضي في بلدنا عادلين بنسبة 100 بالمائة، وهما الطرفان اللذان لا يمكن أن يخرجا عن صفة الانسان القابل للخطأ، مؤكدة أن الحكم بالمؤبد ستكون عواقبه على المجرمين أكثر حدة كونهم سيعانون من الموت البطيء وأنه بين الإدانة والبراءة خط رفيع، كما دعت بن براهم الجهات الأمنية إلى اتخاذ إجراءاتها بالسرعة المناسبة وتوفير تقنيات البحث العلمية التي تمكنها من العثور على المختطفين في وقت محدود كون المختطف غالبا ما يكون من المقربين من العائلة أو الحي.
50 بالمائة من أطفال العالم يتعرضون للعنف كل عام
يعتبر الأطفال الأكثر تضرراً على كل المستويات، فهم أهداف سهلة ولا قوة لهم ولا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم، بل يقفون في موقفي المشاهد والمتضرر مباشرة من حروب وتقاتل الكبار، فتقع عليهم أكثر الانتهاكات الستة شيوعاً هي تجنيد الأطفال واستخدامهم في الحرب والقتل والعنف الجنسي والاختطاف والهجمات على المدارس والمستشفيات والحرمان من وصول المساعدات الإنسانية. فهذا لا بدّ يحتاج إلى صرخة عالمية للدفاع عن الأطفال ضحايا العدوان، وهذا ما كرّسته الجمعية العامة للأمم المتحدة في أوت 1982 في اختيارها يوم الرابع من جوان من كل عام، بوصفه اليوم الدولي لضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء وسبب هذا القرار كان في حينه ترويع “عدد كبير من الأطفال الفلسطينيين واللبنانيين الأبرياء خلال أعمال العدوان التي ترتكبها إسرائيل”، بحسب نشرات الأمم المتحدة و”اليونيسف”.
ومنذ ذلك العام حتى اليوم أي بعد أربعة عقود، ما زال الأطفال، وعلى رأسهم الفلسطينيون، يتعرضون للترويع والقتل في الحروب المتكررة، والتي كان آخرها قبل أسابيع بين الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين. وكذلك في مناطق مختلفة في العالم، حيث لم يتمكن الاحتفال السنوي بهذا اليوم سوى من التذكير بحال هؤلاء الأطفال الذين يعيشون في أرض المعركة من دون أن يكون لهم أي علاقة أو تأثير في أسباب ونتائج هذه المعارك الحربية التي لم تنته حتى اليوم.
انتهاكات بالجملة
الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة حول الأطفال المعرضين للعنف خلال النزاعات والحروب، تجعلنا نفكر فيما إذا كنا ما نزال في القرون الوسطى، أما أننا كبشر ننطلق فعلاً إلى استكشاف الفضاء، بينما على الأرض ما زال 50 بالمائة من أطفال العالم يتعرضون للعنف كل عام، بينما يقتل كل خمس دقائق طفل بالعنف، ويتم تجنيد آلاف الفتيان والفتيات في الميليشيات المسلحة كمقاتلين وطهاة وحمالين وسعاة، كما يتم تجنيد الفتيات لأغراض جنسية أو للزواج القسري، ويتم تجنيد العديد منهم قسراً، على الرغم من أن البعض ينضمون نتيجة لضغوط اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية.
ق.م