يحيي، اليوم، أكثر من 20 دولة حول العالم، اليوم العالمي للأطفال المفقودين، ويهدف إحياء هذا اليوم إلى تذكر الأطفال المفقودين الذين نجحوا في العودة إلى منازلهم والأطفال الذين سقطوا ضحايا لجرائم، وكذلك إرسال رسالة أمل من أجل التأكيد على ضرورة مواصلة الجهود للعثور على الأطفال المفقودين.
تاريخ إحياء المناسبة
وبدأ إحياء “يوم الطفل المفقود” في الولايات المتحدة في 25 ماي من عام 1983، وفي نفس اليوم من عام 2001 تحول الحدث إلى “اليوم العالمي للأطفال المفقودين” من خلال جهود “المركز الدولي للأطفال المفقودين والمستغلين” و”الأطفال المفقودين في أوروبا” و”المفوضية الأوروبية”.
وتم اختيار هذا التاريخ في الولايات المتحدة بعد اختفاء الطفل إيتان باتز في 25 ماي من عام 1979 بينما كان يسير إلى محطة حافلة مدرسته في نيويورك. وفي الذكرى السنوية الرابعة لاختفائه، أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان هذا اليوم يوما للأطفال المفقودين.
أصوات جزائرية لحماية الطفولة
تشهد الجزائر عودة حالات اختفاء الأطفال، ما أدى إلى ارتفاع أصوات تنادي بحمايتهم، وهو ما تنوي الحكومة الاستجابة له.
أسماء رسخت في ذاكرة الجزائريين
تتزايد حالات اختفاء الأطفال في الجزائر، بعضهم جرى العثور عليهم، فيما البحث جارٍ عن البقية. من ذلك اختفاء الشقيقتين شهيناز (14 سنة)، وآية (13 سنة)، من منطقة خرايسية في الضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية. بقيت الفتاتان طوال أيام مختفيتين قبل العثور عليهما وإعادتهما إلى ذويهما. وهناك حادثة اختفاء الطفل أنس (14 سنة)، الذي عثر عليه مزارع، أوصله الى مصالح الدرك الوطني، واتضح لاحقاً أنّه هرب من المنزل. كذلك، اختفت في الفترة نفسها الطفلة ريتاج بن حوى (6 سنوات)، عندما كانت مع عائلتها قرب شاطئ البحر، والتي يرجح أن تكون ضحية اختطاف. أما آخر حالة اختفاء فتخص الطفل هيثم دماغ العتروس، الذي خرج من منزله بولاية سكيكدة، شرقي الجزائر، ولم يعد.
وبالتزامن مع إعادة هذه الحوادث وغيرها ذكريات مريرة عاشها الجزائريون سنة 2012 التي شهدت أبشع عمليات خطف وقتل للأطفال، فإنّها تطرح احتمالين، الأول الاختفاء الطوعي وهروب الأطفال من البيوت لأسباب عدة ترتبط سواء بالمشاكل العائلية أو الخوف من تداعيات الإخفاق المدرسي. والثاني الخطف بنية الاغتصاب أو القتل أو غيرهما مع الابتزاز المالي للعائلات في بعض الأحيان، ويرتبط هذا الاحتمال أحياناً بالأنترنت والاستخدام السيئ لمواقع التواصل الاجتماعي، إذ تنشط عصابات لاستدراج القصّر لا سيما الفتيات.
الاختطاف والهروب وراء الاختفاء
في ندوة نظمت قبل أيام حول تشريعات حماية الطفولة في الجزائر، أكد العضو في الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة حكيم طالب، أن إطلاق وصف الاختطاف على حالة معينة لاختفاء طفل ما، يستدعي وجود أدلة دامغة على عملية الاختطاف، لكنّه يوضح أنّ ما يحدث في الغالب هو أنّ “الجزائر تسجل بكثرة اختفاء الأطفال في فترات الامتحانات ونهاية الموسم الدراسي، وهو ما يتعلق بالخوف من النتائج الوخيمة وعقوبة الوالدين” بسبب ما يصفه بـ “الترهيب الأسري من النتائج المدرسية، فيما يتوجه المختفون غالباً إلى أقاربهم وأصدقائهم، إلى حين العثور عليهم، أو إلى حين هدوء عاصفة الغضب والحنق لدى الآباء”. يضيف أنّ “هناك من الأطفال من يتوجهون إلى ولايات أخرى، مخافة التأنيب والعِقاب وقساوة الأب أو الأم أو كليهما. وبالإضافة إلى الظروف المتعلقة بنتائج التحصيل المدرسي، هناك حالات اختفاء لبعض الأطفال مرتبطة بالظروف العائلية والمجتمعية أيضاً”.
الأسرة.. المسؤولة رقم واحد
وتعتبر الاختصاصية النفسية نسيمة سعدون، أنّ المسؤولية تقع على غياب التوعية الكاملة للعائلات الجزائرية بضرورة مراقبة الأبناء والحرص على متابعتهم الكاملة، ورصد صداقاتهم أيضاً، خصوصاً في الفضاء الإلكتروني الذي بات أحد أهمّ أسباب تفشي مثل هذه الظواهر. وتقول إنّ “الإنترنت مهم جداً لكنّه يهدد كيان المجتمع والأسرة كونه من الوسائل الحديثة لافتراس واختطاف الأطفال، لذلك يجب الحذر من الأنشطة التي يمارسها الأطفال على الأنترنت، كغرف الدردشة مع الأصدقاء والبريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي”، بالإضافة الى ما تعتبره غياب الرؤية الاجتماعية والإعلامية في معالجة مثل هذه القضايا التي باتت تخيف الأسر والأطفال، إذ لا يتعاطى الإعلام في الجزائر مع الظاهرة إلا في ظروف تكون فيها الحوادث هي الأبرز من الناحية الإخبارية.
في غياب الإحصائيات الرسمية الدقيقة والتفصيلية عن الظاهرة، يشير تقرير للشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل إلى أنّ الجزائر شهدت في السنوات الأخيرة هروب نحو 100 فتاة قاصر من عائلاتهن واختفاء كثيرات منهن في ظروف غامضة، قبل العثور عليهن لاحقاً. كذلك، أشار رئيس الشبكة، عبد الرحمن عرعار، إلى تسجيل 13 حالة اختطاف للأطفال منذ بداية العام الجاري وحده.
وتعيد حالات الاختطاف والاختفاء الحالية، العائلات الجزائرية إلى الفترة ما بين 2011 و2014، والتي شهدت أوج الظاهرة وبرز خلالها نقاش إعلامي قوي حولها، وارتفعت دعوات لتنفيذ عقوبة الإعدام ضدّ المختطفين والمغتصبين، خصوصاً أنّ معظم الحالات كانت اختطافاً مع اغتصاب ثم قتل. وتراهن قوى مجتمعية كثيرة على التوجه نحو تفعيل عقوبة الإعدام – أُوقف تنفيذها منذ سنة 1993 – خصوصاً في جرائم الاختطاف المتبوعة بالاغتصاب والتعذيب والقتل.
وإزاء حوادث الاختطاف الأخيرة، والجدل المجتمعي بشأنها، انتقل القلق إلى المؤسسة السياسية، فقد بادر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تكليف وزير العدل بالشروع في إعداد قانون ضد الاختطاف حماية لأمن المواطن ومحاربة هذه الجريمة التي تتراوح عقوبة الحبس المقترحة بشأنها ما بين خمس سنوات والمؤبد في حالة القتل، وهي المبادرة الرئاسية والحكومية التي ثمّنتها الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل، عبر رئيسها عبد الرحمن عرعار، في برنامج بثته الإذاعة الجزائرية.
إهمال أسري وسوء معاملة
تكشف المفوضة العامة لحماية الطفولة القاضية مريم شرفي أنّ الهيئة سجلت 500 حالة مساس بحقوق الطفل منذ بداية العام حتى نهاية أوت الماضي، واستقبلت أكثر من 1480 إخطاراً منذ بداية سنة 2020، حول حالات اختفاء أو معاملة سيئة. وتلفت إلى أنّ هذه الإخطارات ناتجة غالباً عن الإهمال الأسري وسوء المعاملة وإجبار الأطفال على التسول.
لمياء. ب