تحيي الجزائر، اليوم، وعلى غرار الدول العربية الأخرى، اليوم العالمي للأسرة، وهو يوم قد يبقى مجهولا لدى الكثير من الجزائريين الذين غيبوا من قاموسهم معنى الأسرة التي لطالما كانت أيقونة العرب وفخرهم، وعلى هذا الأساس ارتأينا أن نسلط الضوء على الأسرة العربية في يومها العالمي والتحديات التي تواجهها في ظل العولمة وبين واقعها بين الأمس واليوم.
وتعد الأسرة، حسب التعريف الأكاديمي، الخلية الأساسية لبناء المجتمع تتكون من أفراد تربط بينهم صلة القرابة والرحم وتساهم في النشاط الاجتماعي بكل جوانبه.
وقد جاء هذا اليوم ليجسد الدور الذي تلعبه الأسرة العربية في المجتمع والأهمية التي تكتسيها من حيث بناء جيل واع متشبع بالعادات والتقاليد والقيم المتأصلة في جذور البيئة العربية، التي غالبا ما ارتبطت بمفاهيم النخوة، الجود والحشمة والتكافل فيما بينها، ورغم التغييب الذي يوليه البعض للأسرة بسبب تسارع وتيرة الحياة، إلا أنه وبتخصيص يوم عالمي لها يمكن أن يترجم على أنه وقفة لإبراز واقع الأسرة العربية وأهمية التحديات التي تواجهها.
الأسرة العربية وفكرة الإعانة والاعتماد
تعد الأسرة العربية وحدة اجتماعية إنتاجية تقوم على فكرة الإعالة والاعتماد المتبادل القائم بين رب الأسرة وعائلته التي نجدها لدى جميع العائلات وبصفة أكثر الأسرة العربية التي تقوم على الفكرة الأبوية، كما أنها تتميز بأنها أسرة ممتدة تجمع بين الأسرة الصغيرة “النووية” وامتدادها من جد وجدة وأعمام وهي الميزة التي نجدها في الأسر الشرقية دون غيرها و نخص بالذكر الأسرة العربية، غير أن الواقع اليوم ليس مثلما كان في السابق بحكم جملة من المتغيرات التي ألغت فكرة الأسرة الممتدة لصالح الأسرة الصغيرة.
بين اليوم والأمس، صور تغيرت ولوحات جديدة رسمت
ولعل المتتبع لسيرورة الأسرة العربية يلاحظ الفرق الشاسع والهوة الممتدة بين ما كانت عليه بالأمس وما هي عليه الآن، فقد تلاشت مظاهر السعادة والتفاهم بين أفراد الأسرة الواحدة وفقدت معاني التآخي والتآزر بين الإخوة ولم يعد الابن يراعي والده ولا الصغير يحترم الكبير، لقد كانت الأسرة تعرف أنها أسرة واحدة بحكم ما يجمعها من صفات متشابهة وقيم واحدة و نفس الأخلاق، حتى الشكل الخارجي والهندام كان يعكس الصبغة المشتركة للعائلة الواحدة، وهنا تقول السيدة كريمة إنها تتذكر كيف كانت تعيش مع عائلتها المتكونة من أبيها وأمها وأربعة من إخوتها في بيت جدتهم مع عميها وكيف كانت علاقتهم مع زوجات عمها، رغم بعض المشاكل بين الأطفال، تسير بشكل جيد وكان الاحترام أهم ما يميز العائلة، إذ لم تكن البنت تتجرأ و تلبس ملابس غير محتشمة في حضور أخيها الأصغر، فما بالك بأبيها أو عمها وجدها، كما لم يكن أمرا مناقشا أن تتزين البنت وتخرج إلى الشارع.
وهنا نقف عند هذه النقطة المتعلقة أساسا بتغير بعض القيم لدى الأسر العربية بتطور التكنولوجيا والانفتاح على العالم.
بين الأصالة والمعاصرة.. تغييب لروح القيم العربية
رغم محاولة الأسرة العربية الحفاظ على ثوابتها في ظل الانفتاح “الحضاري” والعولمة التي ترمي بأثقالها على المجتمعات العربية والأسرة بالتحديد، إلا أن رياح التقليد والتغريب لم تشفع لمحاولات هذه الأخيرة في ثنيها عن ضرب معالم وثوابت الأسرة العربية، حيث كانت الأسرة العربية فيما مضى رمزا للتكافل الاجتماعي والالتزام الخلقي الذي كان جليا في معاملات الكبير للصغير واحترام الصغير للكبير وكذا البنية القوية والصلبة لمؤسسة الأسرة التي لطالما كانت “مؤسسة ذات أسهم” ومنتجة وفاعلة في المجتمع، ويمكن الحديث هنا مثلا عن استقلال الفتيات ببيوت خاصة و التغير الذي عرفته الأسرة العربية، حيث إن عدنا قليلا إلى سنوات ماضية لم يكن من المعقول أو أمرا قابلا للنقاش أن يستقل الابن ببيت خاص به ويترك بيت العائلة حتى وإن كان متزوجا، فما بالك الفتيات، إذ أصبح أمرا “عاديا” و رائجا بل وحتى على الموضة أن تستقل الفتيات ببيوت خاصة بهن بدافع مواكبة العصر.
تغييب الأسرة عن أول حجر بناء لها
ولعل التغيير الذي طرأ على الأسرة العربية لم يمس جانبا دون غيره، فقد مس التغيير أيضا الزواج، إذ أخذ التعارف بين الفتيات والشباب طابع الرواج في وجه زواج الصالونات الذي كان أهم خطوة لتقرب عائلة الشاب من الفتاة، من باب العادات والتقاليد التي تمنع العلاقات بين الشباب والفتيات خارج إطار الزواج، ولعل تراجع هذا النوع من الزواج كان سببا كبيرا في تفشي ظاهرة العنوسة والانحلال الخلقي.
التقليد الأعمى والانفتاح على الغرب وراء تغير الأسرة وتشتتها
يرجع علماء الاجتماع التغيير الذي عرفته الأسرة العربية بين الأمس واليوم إلى التكنولوجيا التي من المفروض أن تكون شيئا إيجابيا من شأنه أن يدفع بها إلى الأفضل، إلا أنه وللأسف أثر على الأسرة العربية، بحيث أصبحت تجد مثلا في المسلسلات التركية صورة يجب عليها أن تضاهيها، فأصبح التقليد الأعمى في كل صغيرة وكبيرة أمرا مقلقا ومحيرا يضع مصير الأسرة العربية محط تساؤل حول إمكانية أن تحافظ على بقائها في ظل ما تعرفه من رياح تعصف بها وقد تؤثر على امتدادها.
ل. ب