صورة قتال شعب أراد الحياة فواجه الطائرات والدبابات
تُعرف الثورة الجزائرية باسم “ثورة المليون شهيد”، وهي حرب تحرير وطنية ثورية ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي قام بها الشعب الجزائري بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وكانت نتيجتها انتـزاع الجزائر لاستقلالها بعد استعمار شرس وطويل استمر أكثر من 130عاما.ً
وفي مثل هذا التاريخ كانت الجزائر على موعد مع اندلاع واحدة من أكبر الثورات التي صارت مثالا يحتذى به عبر العالم، حيث اندلعت الحرب التحريرية معلنة أنه قد آن الأوان لإخراج المستعمر الغاشم، وقام المجاهدون خلالها بعدد من الثورات التي خلدها التاريخ وكتب عنها بأحرف من ذهب، ونحاول خلال هذه الذكرى تسليط الضوء على واحدة من أكبر المعارك التي خاضها المجاهدون في ظروف طبيعية صعبة ولكنها لم تكن مانعة لهم من محاربة العدو وتكبيده خسائر كبيرة.
وحقق جيش التحرير الوطني عبر مراحل الثورة انتصارات عديدة ومستمرة كان لها تأثير كبير وواضح على الصعيد الداخلي و الخارجي. وتنوعت هذه الإنتصارات بين معارك طويلة دامت عدة أيام، وكمائن خاطفة وعمليات تصفية الخونة والمتعاونين مع الإستعمار، وكانت معارك جيش التحرير قد عمت كل القطر الجزائري أظهر فيها قدراته القتالية خاصة في حرب العصابات التي تعتمد على حسن اختيار المكان والزمان والمباغتة والإنسحاب في الوقت المناسب، وفي وقفة من وقفاتنا على تاريخ الثورة المجيدة وبطولات مجاهدينا نستذكر اليوم معركة جبل بوزقزة بلرجام ولاية تيسمسيلت.
نظرا للميزات الطبيعية الوعرة ظلت منطقة تيسمسيلت مكانا ملائما لتمركز جيش التحرير وإقامة المراكز بها كمركز الدالية الواقع بالقرب من قرية أولاد علي والذي كان يشرف عليه المناضل حواش عبد القادر، ومركز العيايدة الذي أشرف عليه المناضل الحاج الطيب، كما يوجد شمال المنطقة مقر قيادة المنطقة ومستشفى ميداني.
الوضع العام بالناحية قبيل المعركة
المستعمر يزيد من قواته والمجاهدون يستعدون للمواجهة
لوحظ في الأيام التي سبقت وقوع المعركة، تحركات واسعة لقوات العدو في المنطقة، المتمثلة في تنقل الشاحنات العسكرية ما بين مراكزه المنتشرة عبر الناحية وتوافد العساكر على هذه المراكز لتدعيمها بكتائب جديدة من المراكز الكبرى في الجهة الغربية من البلد، بالإضافة إلى مضاعفة الطيران الحربي لطلعاته في سماء المنطقة وقد تبين للمجاهدين بعد دراسة الوضع، أن هذه التحركات اليومية بهذا الشكل سيتبعها لا محالة قيام العدو بشن حملة واسعة النطاق تستهدف المناطق التي يتوقع تواجد جيش التحرير بها.
وفي هذا الإطار، تلقت قيادة الكتيبة أمرا من قيادة المنطقة، بالتأهب والإستعداد لكل الإحتمالات التي ستنجر عن قيام العدو بهذه الحملة، وفي نفس الوقت، التحرك فورا نحو ناحية الملعب لصلاحية الناحية وتوفرها على وضع طبيعي واستراتيجي هام، ولما وصل أفراد القوة طُلب منهم التوجه نحو وادي بوزقزة والتمركز في نقاطه الإستراتيجية وأثناء ذلك قامت دورية الاستطلاع باستكشاف الوضع من أعلى القمم المجاورة، فتبين لها أن العدو متواجد في المرتفعات المحيطة وبعد رصد دقيق لجميع نقاط تواجده تأكد لهم بأنهم مقبلون على وضع محرج وأنه لا مفر من الاصطدام معهم وبعد مراجعة القيادة تقرر البقاء في المنطقة والاستعداد لمواجهة العدو مهما كانت الظروف، خاصة وأن قوات العدو قامت بمحاصرة وسد جميع المنافذ والطرق المؤدية من وإلى المنطقة.
وتماشيا مع الوضع تحتم على المجاهدين توسيع دائرة انتشارهم في هذه الجهة والاتجاه نحو عمق وادي بوزقزة لتوفر الظروف الطبيعية المناسبة لمثل هذه الحالات. ظلت عناصر جيش التحرير المتمركزة ترقب تحركات العدو ونشاطاته بالنواحي القريبة والمجاورة، وتمكنت قوات العدو خلال استطلاعاتها المكثفة للمعابر والطرق المؤدية إلى المنطقة من اكتشاف أثر أحذية المجاهدين، مما دفع بقوات العدو لمداهمة الناحية في صباح يوم المعركة.
تقدم المستعمر يرغم المجاهدين على الإنسحاب الإستراتيجي وتمديد فترة المقاومة
تقدمت فرقة مشاة للعدو في اتجاه مواقع المجاهدين، وكان معها جرافة لتسوية الأرض وشقها، تمهيدا لتقدم طابور من الشاحنات العسكرية والسيارات المصفحة، وبينما كانت الفرقة تقوم بعملها، إذ بها تكتشف آثارا جديدة لتواجد جيش التحرير الوطني بالناحية وبالقرب من مواقع عملها، وخوفا من مواجهتهم تراجع عناصر الفرقة للخلف وأبلغوا قيادتهم في حين ظل أفراد جيش التحرير الوطني متمركزين بمواقعهم في انتظار ما سيؤول إليه الوضع وهذا لليوم الثالث، وفي إطار التحري الدقيق لمواقع العدو قامت مجموعة من عناصر جيش التحرير بالتحرك نحو دوار الشهاورة الواقع جنوب دوار أولاد علي لاستطلاع الوضع من هناك وقبل طلوع النهار عادت تلك المجموعة إلى مواقعها، وفي حدود الساعة السابعة صباحا شوهدت قوة للعدو متكونة من المشاة يحميها فيلق من الدبابات تتحرك في اتجاه مواقع المجاهدين، وقبل وصولها لخط التماس مع مواقع المجاهدين تمركزت القوات الاستعمارية بالنقاط الإستراتيجية بالقمم المطلة على الوادي.
بعد طلوع النهار تأكد للمجاهدين أن قوات العدو بسطت سيطرتها على المواقع المهمة للوادي وما جاوره، وبعد مدة قصيرة شرعت القوات الاستعمارية في التقدم حينها اصطدمت بقوة الكوماندو التي بادرت بإطلاق النار على القوات المتقدمة، واستمر القتال بين قوات العدو وعناصر الكوماندو ما يقارب الساعة من الزمن، سقط حينها قائد فرقة الكوماندو المدعو بن عمارة الجيلالي وبعض المجاهدين، ونظرا لتفوق العدو عدة وعددا اضطرت عناصر الكوماندو إلى الانسحاب نحو عمق وادي بوزقزة حيث تتمركز قوات كتيبة الناحية، وبالفعل واصلت قوات العدو الزحف نحو الوادي تحت حماية جوية وكتائب المدرعات، وبعد برهة من الوقت اشتعلت المنطقة في قتال شديد استغل الطرفان كل إمكانياتهما واستمر القتال بهذه الصورة إلى المساء.
مجاهدون أشاوس في مواجهة المدرعات و الطائرات الحربية
ولما عجزت قوات العدو عن تحقيق النصر في الميدان رغم التفوق، قامت بقصف مواقع المجاهدين بالطائرات الحربية والأسلحة الثقيلة، إلا أن ذلك لم يثن من عزيمة المجاهدين في الثبات في مواقعهم والرد القوي على قوات العدو، هذه الأخيرة التي اضطرت إلى التراجع وفتح المجال لمدفعية الميدان لقصف مواقع المجاهدين، ثم قامت القوات البرية باقتحام الميدان بمساندة كتائب المدرعات محققة بعض التقدم نحو دفاعات المجاهدين واستمر القتال على هذا الشكل إلى غاية حلول الليل أين توقف القتال بين الطرفين بتراجع قوات العدو، مما فسح المجال لانسحاب المجاهدين متجهين نحو قمة جبل حمو المجاور لميدان المعركة.
مقتل 60 عسكريا مقابل استشهاد 17 مجاهدا
أسفرت معركة جبل بوزقزة عن مقتل أكثر من 60 عسكريا من بينهم ضابط برتبة رائد، وجرح عدد مماثل وإصابة طائرة مقاتلة من جهة العدو.
أما في صفوف المجاهدين فقد سقط في ساحة الشرف 17 مجاهدا نذكر البعض منهم: الزوبير لخضر، بن صغير صحراوي، جلول، بوعجاجة طاهر، بن عودة الملياني، بن عمارة الجيلالي، بن خلفة المدعو لاطاني، أحمد، عبدالقادر التافزي، أحمد الخلافي، بوعلام، رزوق، بن طاطا لتظل معركة بوزقزة واحدة من أروع صور البطولة والشرف التي سجلت بأحرف من ذهب.
بطاقة جغرافية حول جبل بوزقزة
جبل بوزقزة أو الجبل الأخضر (بالأمازيغية: أذرار أزڤزاو Adhrar Azegzaw هو قمة جبلية في سلسلة جبال الخشنة ضمن الأطلس التلي في الجزائر، ويقع في بلدية قدارة بدائرة بودواو ضمن ولاية بومرداس في منطقة القبائل الزواوية.
جبل بوزقزة هو أعلى قمة جبلية في ولاية بومرداس، بإرتفاع قدره 1033 م ، يُطل على شرق خليج الجزائر وعلى سهل متيجة، ويقابل جبال التيطري.
ويقابله “جبل بوزريعة” في غرب خليج الجزائر أين تم إنشاء قصبة الجزائر على سفحه من طرف بولوغين بن زيري.
ويمكن الوصول إلى قمة هذا الجبل عبر ثلاثة طرق وطنية هي الطريق الوطني رقم 5 والطريق الوطني رقم 29 و الطريق السيار شرق-غرب.
جيولوجيا:
يعود نشوء جبل بوزقزة إلى العصر الرباعي من حقبة الحياة الحديثة في مقياس الزمن الجيولوجي.
وتتميز الأرضية المحيطة به باحتوائها رخاما رماديا ترتبط مواضعه بواسطة مسارات من السيدريت المحمر وخام الحديد.
كما يتميز تكوين هذه الأرضية باحتوائه كمية من الشيست البلوري، والميكاشيست.
لمياء بن دعاس
