19 مارس 1962... شعب الجزائر ينتصر

في الذكرى الـ 59 لعيد النصر.. دعوة إلى تنصيب المجلس الأعلى للذاكرة

في الذكرى الـ 59 لعيد النصر.. دعوة إلى تنصيب المجلس الأعلى للذاكرة

تعود مرة أخرى ذكرى عيد النصر المصادفة ليوم 19 مارس 1962 لتحتفل الجزائر بذكراها الـ 59، وهي ذكرى تم فيها تكريس وبحنكة عمل الدبلوماسية الجزائرية المعاصرة التي برزت إلى الوجود أصلا مع إعلان أول نوفمبر 1954 والذي اعتمد نصه تدويل القضية الجزائرية كوسيلة من وسائل كفاح الثورة التحريرية.

دعا الأمين العام لمجلس الشورى لاتحاد المغرب العربي، سعيد مقدم إلى تنصيب المجلس الأعلى للذاكرة ليكون “منبرا وقوة اقتراح”، وذلك بمناسبة الذكرى الـ 59 لعيد النصر.

وأوضح السيد مقدم خلال ندوة فكرية نظمتها المنظمة الوطنية للمحافظة على الذاكرة وتبليغ رسالة الشهداء، أن استحداث المجلس الأعلى للذاكرة سيكون “منبرا وقوة اقتراح لا يستهان بها في الدفاع عن التاريخ والمحافظة على الذاكرة الوطنية”، مبرزا دور الشباب في بناء دولة الحق والقانون.

من جهته، تطرق العقيد أحمد كروش، وهو إطار متقاعد من الجيش الوطني الشعبي، في مداخلة له إلى “تجذر مؤسسة الجيش الوطني الشعبي في أعماق الشعب الجزائري عبر التاريخ”، مشيرا إلى أنها “رافقت الشعب في جميع الأزمات التي مر بها وكانت نواتها الأولى بإنشاء المنظمة الخاصة التابعة لجبهة التحرير الوطني”.

وأضاف أن جيش التحرير الوطني “خاض أكبر ثورة في التاريخ المعاصر”، مشددا في ذات السياق على أهمية “اللحمة التي تربط الجيش الوطني الشعبي بشعبه”.

كما عرج المحاضر على مساهمات الجيش الوطني الشعبي رفقة أبناء الشعب “كثنائية لا يمكن فصلها في إنجاز مشاريع التنمية الاقتصادية مثل السد الأخضر وطريق الوحدة الإفريقية، وذلك تحت شعار “نحن على العهد باقون ولرسالة الشهداء محافظون”.

بدوره، أكد الأمين العام للمنظمة الوطنية للمحافظة على الذاكرة وتبليغ رسالة الشهداء، حضري عبد الكريم، أن الجيش الوطني الشعبي كمؤسسة دستورية “أدت دورها على أكمل وجه وقامت بنزع 12 مليون لغم مضاد للأشخاص كان الاستعمار قد زرعها على مستوى حدود بلدنا”.

وقد انصبت جل المداخلات بالأساس على ضرورة “صناعة الوعي الحقيقي للشباب ورسم سياسة واضحة المعالم لإعادة الأمل للشباب وتحقيق تطلعاته وإبراز قيم المواطنة من خلال التضامن والتماسك بين الشعب والجيش”.

إيلاء “أهمية قصوى” لكتابة تاريخ الثورة التحريرية

شدد مشاركون في ندوة تاريخية على ضرورة إيلاء “أهمية قصوى” لكتابة تاريخ الثورة التحريرية المجيدة، باعتبارها “عاملا أساسيا” للحفاظ على الذاكرة الوطنية وتعزيز الروح الوطنية.

وأوضح المشاركون في هذه الندوة التي احتضنها المتحف الوطني للمجاهد، بمناسبة إحياء ذكرى عيد النصر “19 مارس”، أن الوقت الراهن يستدعي إيلاء “أهمية قصوى” لكتابة تاريخ الثورة التحريرية المجيدة للحفاظ على الذاكرة الوطنية.

وفي هذا الشأن، أكد السيد علي أحمد مسعود، أستاذ التاريخ بجامعة المسيلة، على ضرورة “الاهتمام أكثر بمجال كتابة التاريخ، سيما منه المتعلق بالثورة التحريرية المجيدة والاستلهام من محطاته التاريخية”.

من جانبه، أبرز ممثل وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، محمد ياحي، أن من أولويات القطاع “حفظ وصون الذاكرة الوطنية لترسيخ قيم الثورة الخالدة ولضمان تلقينها للناشئة، وللحفاظ على المكتسبات والإنجازات المحققة لمواصلة مسيرة بناء الجزائر المستقلة”.

انطلاقة جديدة لدولة فتية

ويعتبر وقف اطلاق النار يوم 19 مارس 1962 انطلاقة جديدة لدولة فتية عاشت  الاستعمار ما يقارب 130 سنة، وهي الفترة التي عانى فيها الشعب الجزائري أكبر معاناة عرفها تاريخ البشرية، حيث عمدت القوة الاستعمارية إلى طمس معالم الشخصية الوطنية عبر كامل مراحل تواجدها على أرض الجزائر.

إن ذكرى 19 مارس 1962 وهي تعود اليوم بعد 59 سنة تكون هي اللبنة الأولى وحجر الزاوية في الإعلان عن جزائر حرة مستقلة، وأخرجتها إلى الوجود ثورة التحرير الوطنية بتضحيات جسام فاقت المليون ونصف المليون شهيد.

وإذ نتذكر اليوم الإعلان عن وقف إطلاق النار وبعد قرابة نصف قرن، فإننا نتذكر تاريخنا وبعض رجالنا ممن توقدت بصيرتهم فتفتقت عن الوصول إلى عهد جنّب الشعب الجزائري كثيرا من التضحيات الأخرى، فدفع بهذا الأخير إلى تأسيس دولة قوية مهابة الجانب ومثال لكثير من الشعوب التي أرادت هي الأخرى التحرر.

يعد 19 مارس 1962 أعظم المحطات التاريخية التي عرفتها الجزائر، فهو تاريخ توقيف القتال بالجزائر بعد التوقيع الرسمي على اتفاقيات إيفيان، إنه يوم النصر، إذ حققت فيه الثورة الجزائرية ما ناضل من أجله أجيال منذ 1830 توجت بنضال وجهاد جيل نوفمبر المجيد، حيث انتزع استقلاله واسترجع سيادته بعد تضحيات جسام بلغت مليونا ونصف مليون شهيد.

 

مارس شهر الشهداء وفجر الحرية والاستقلال

يعتبر شهر مارس شهر الشهداء تُحيا فيه ذكرى أبطالنا الخالدين مصطفى بن بولعيد، بن مهيدي، عميروش، الحواس، لطفي، الطاهر فراج الذين افتدوا حرية الجزائر بحياتهم الغالية واستشهدوا في ميدان الشرف في مثل هذا الشهر.

وشهر مارس شهر الحرية في المغرب العربي، فيه نالت تونس والمغرب استقلالها، وفيه أشرق على الجزائر فجر الحرية والسلم والاستقلال.

وكانت مصادفات الأقدار قد جعلت عددا كبيرا من أبطال ثورتنا يستشهدون في مثل هذا الشهر حتى أطلق عليه شهر الشهداء، ثم شاءت الأقدار مرة أخرى أن يحتفل المغرب العربي بأعياد حرية أقطاره الثلاثة في نفس الشهر، فإنه ليس من قبيل التلاعب بالألفاظ أن نرى في ذلك شيئا أعمق من مجرد المصادفة، إن اقتران حرية الجزائر بذكرى الشهداء وبحرية المغرب العربي كله هو رمز عميق بعيد الأثر في تاريخنا ومستقبلنا، إنه رمز خالد للرباط المقدس بين الحرية وثمنها العظيم والوحدة وأساسها الروحي والمادي المتين.

إن الحرية التي كتبت بدماء الشهداء هي الحرية الحقيقية، الحرية المطلقة، الحرية التي نلناها فعلا وارتبطنا بها وارتبطت بنا قبل الإعلان الرسمي عن ميلادها، فقد اكتسبناها وأعطتنا روحها يوم صرنا قادرين على تقديم أرواحنا قربانا لها وسقيناها بدم الشهداء.

كما كانت معركة الجبهة السياسية لا تقل شأنا عن أختها في جبهات القتال، كان الحدث تاريخيا المكان إيفيان يوم 18 مارس 1962 وبالضبط على الساعة الخامسة وأربعين دقيقة، وبعد اجتماعات طويلة مرهقة دامت 12 يوما متتالية، وبعد قراءة مفصلة لبنود الاتفاقية التي ضمت أكثر من 86 صفحة تُوجت بالتوقيع عليها: عن الجانب الجزائري السيد كريم بلقاسم نائب رئيس الحكومة المؤقتة ورئيس وفدها في المفاوضات، وعن الجانب الفرنسي لويس جوكس وزير شؤون الجزائر. فبموجبها تم وقف إطلاق النار عبر كامل التراب الجزائري يوم 19 مارس 1962 على الساعة 12 زوالا.

وأدلى السيد كريم بلقاسم رئيس الوفد الجزائري في المفاوضات بدلو قال فيه :

“بمقتضى التفويض من المجلس الوطني للثورة الجزائرية وباسم الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وقعنا على اتفاق عام مع الممثلين المفوضين للحكومة الفرنسية. وبمقتضى هذا الاتفاق العام أبرم اتفاق لوقف القتال، ويدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بكامل التراب الوطني يوم الاثنين 19 مارس في منتصف النهار بالتدقيق.

وفي هذه الساعة التاريخية تتجه أفكارنا إلى كل الذين ضحوا منذ غرة نوفمبر 1954 بحياتهم لتحيا الجزائر حرة مستقلة أولئك الذين هم أهل لاعتراف شعبنا البطل بالجميل، كما تتجه أبصارنا إلى مجاهدينا الأمجاد وإلى كل أنصار القضية الوطنية”.

 

طاولة مفاوضات إيفيان الثانية طريق توقيف القتال ومهد لاستقلال الجزائر

بمقتضى اتفاقية إيفيان تم توقيف إطلاق النار كليا على جميع التراب الجزائري يوم 19 مارس 1962 وتمخض عن وقف القتال ردود فعل إجرامية إرهابية قامت بها منظمة الجيش السري الفرنسية. ولقد خاض الشعب الجزائري تحت لواء جبهة التحرير الوطني كفاحا مريرا لاسترجاع استقلاله وحريته، وكان له ذلك بعد أن قدم الثمن غاليا يتمثل في قوافل من الشهداء مليون ونصف مليون شهيد ومئات الآلاف من الأرامل واليتامى ومئات الآلاف من المعتقلين والسجناء، إلى جانب تدمير آلاف القرى وتخريب ممتلكات الجزائريين، مما جعل الثورة التحريرية تتصدر طليعة الثورات ضد الاستعمار في العالم.

 

استفتاء تقرير المصير وإعلان الاستقلال

بناء على ما تضمنته المادة 17 من الباب الثالث من نصوص اتفاقيات إيفيان و المتضمن إجراء استفتاء خلال فترة تتراوح من ثلاثة إلى ستة أشهر من تاريخ نشر النص على أن يحدد هذا التاريخ وفقا لاقتراح الهيئة التنفيذية بعد شهرين من تنصيبها.

 

التحضـيرات للاستفتـاء

في إطار صياغة جملة الضمانات والشروط المفصلة بتنظيم الأحكام العامة خلال المرحلة الانتقالية اعتبارا من يوم 19 مارس 1962 وبناء على ذلك، واستنادا إلى ما تضمنه نص الجزء الثالث من مواد ضمانات تنظيم الاستفتاء على تقرير المصير و الجزء الرابع من الاتفاقيات الذي ينص على تشكيل قوة محلية للأمن غايتها الإشراف على استفتاء تقرير المصير وقد جاءت المواد 19 ، 20 و 21 لتحديد مواصفاتها و الصلاحيات التي تضطلع بها، بقي جيش وجبهة التحرير الوطني يستعدان لإجراء الاستفتاء في جو من الحيطة والحذر إلى أن حل الفاتح من جويلية 1962. وقد اجتمعت لهذا الحدث التهيئة التحضيرات العامة لتعبئة الشعب منها توزيع مناشير على المواطنين لتوعيتهم وحثهم على المشاركة بقوة في هذا الحدث بعد أن ضبطت الهيئة التنفيذية المؤقتة بمقرها في روشي نوار (منطقة تقع في مدينة بومرداس) موعد الاستفتاء بالفاتح جويلية 1962، حيث استجاب المواطنون بنسبة كبيرة جدا لهذا الحدث الهام، وتضمنت استمارة الاستفتاء الإجابة بنعم أو لا على السؤال التالي: هل تريد أن تصبح الجزائر دولة مستقلة متعاونة مع فرنسا حسب الشروط المقررة في تصريحات 19 مارس 1962.

 

نتائج الاستفتاء

في 2 جويلية شرع في عملية فرز الأصوات، كانت حصيلة النتائج لفائدة الاستقلال بأغلبية مثلما أكدته اللجنة المكلفة بمراقبة سير الاستفتاء صباح يوم 3 جويلية 1962، فمن مجموع المسجلين المقدرين بـ 6.549.736 موزعين على 15 مقاطعة عبّر 5.992.115 بأصواتهم منهم 5.975.581 أدلى بنعم، و 16.534 بـ :لا .

 

الاعتراف بالاستقلال

بمقتضى المادة 24 من الباب السابع المتعلقة بنتائج تقرير المصير وطبقا للمادة 27 من لائحة تقرير المصير: تعترف فرنسا فورا باستقلال الجزائر ويتم نقل السلطات فورا .

وتنظم الهيئة التنفيذية المؤقتة في خلال ثلاثة أسابيع انتخابات لتشكيل الجمعية الوطنية الجزائرية التي تتسلم السلطات .

وبناء على ذلك أعلنت نتائج الاستفتاء يوم السبت 3 جويلية 1962 وبعث الرئيس الفرنسي شارل ديغول إلى السيد عبد الرحمن فارس رئيس الهيئة التنفيذية المؤقتة للجمهورية الجزائرية رسالة تحمل الاعتراف باستقلال الجزائر.

واعتبر يوم الاثنين 5 جويلية 1962 التاريخ الرسمي لاسترجاع السيادة الوطنية التي سلبت في ذات اليوم من سنة 1830 .