في الذكرى السابعة والخمسين لتفجيرات رقان النووية : عندما استُعمِل الأجداد في تجارب المستعمر…. مفاوضات مستمرة لتعويض الضحايا

تحلّ، اليوم، الذكرى السابعة والخمسون لتفجيرات رقان النووية، التي ترجع بالذاكرة الجماعية للشعب الجزائري إلى سنين خلت، كرست خلالها القوة الاستدمارية الفرنسية جميع جهودها من أجل قهر الشعب واستعباده وممارسة أقسى أنواع التعذيب،

وحتى استخدامه كفئران تجارب لفائدة مصالحها وتطلعاتها النووية.

                                            

 تعود اليوم ذكرى أول تجربة نووية فرنسية بالصحراء الجزائرية، وتعود معها صور ومشاهد الدمار التي خلّفتها عملية التفجير التي أطلقت عليها فرنسا الاستدمارية اسم اليربوع الأزرق ونفذته في 13 / 12 / 1960 بمنطقة حمودية برقان، هذه التجربة التي فاقت قوتها 70 ك.طن وخلفت ضحايا من أبناء المنطقة وأحرقت بالكامل حيوانات وطيورا استعملت كفئران تجارب، وبعد مرور 53 سنة من تنفيذ أول تجربة، ما زالت فرنسا تمارس التعتيم والتكتم على كامل تجاربها النووية وتحاول الهروب إلى الأمام دون أدنى اعتذار أو القيام بخطوة تجاه الاعتراف بجرائمها وتعويض ضحاياها الذين انضموا في جمعية محلية تسمى جمعية الـ 13 فيفري 1960 حاولوا طيلة السنوات الماضية تحسيس الرأي العام الوطني بمعاناتهم وتطلعوا إلى أن تصبح جمعيتهم وطنية تأخذ على عاتقها الدفاع عنهم وكشف جرائم فرنسا النووية بالجنوب الجزائري.

 

الصحراء أو حلم فرنسا الذي تبخر بعد أن انفجر

يرجع الاهتمام الفرنسي بالصحراء الجزائرية إلى اكتشاف البترول والغاز الطبيعي وبقية الثروات الأخرى التي تزخر بها الصحراء الجزائرية كالذهب، الرصاص، النحاس، اليورانيوم والمنغنيز، إضافة إلى كونها همزة وصل بين شمال إفريقيا وبقية المستعمرات الفرنسية في منطقة الصحراء الكبرى والساحل، لذلك حاول الفرنسيون المناورة من أجل البقاء مع إمكانية إعلان المنطقة أرضا وطنية فرنسية وبدأ الحديث في الدوائر الاستعمارية عن إقليم صحراوي يتمتع بحكم ذاتي يرتبط بالوطن الأم فرنسا وتم خلال سنوات فقط على الترويج لفصل الصحراء، إنشاء وزارة خاصة وقيادة عسكرية أيضا استعدادا لوضع المشروع قيد التفاوض، وتزامنا مع ذلك بدأت تحركات عسكرية في إطار إنشاء مراكز نووية وصاروخية، وأعلن في 1957 عن اعتبار منطقة رقان نحو 140 كلم عن مقر ولاية أدرار حاليا منطقة نووية تخصص لإجراء مختلف التجارب وتسارعت الخطوات لإنجاز المشروع في وقت نجحت فيه الثورة في تنفيذ عدة عمليات، كما نجحت الثورة حسب مجاهدي الجهة في الكشف عن مخططات فرنسا الرامية إلى إجراء تجارب نووية برقان واعتقد أبناء المنطقة العام 1958 أن قنبلة نووية ما ستنفجر خاصة بعد تزايد التحركات والاستعدادات، لكن صعوبات جمة برزت وتم تأجيل تنفيذ التجربة حتى العام 1960 يقول أحد الشهود “لقد تحولت الحمودية نحو 50 كلم جنوب شرق رقان إلى مدينة عسكرية وتم نقل المئات من الناس إليها وإحضار أجانب وحيوانات ووضعت في رقبة كل شخص “قلادة” مكتوب عليها اسم المعني وعنوانه الشخصي وجنسيته وطلب منها الانبطاح أرضا عند البدء في القيام بالتجربة، وحينما تم التنفيذ اهتزت الأرض تحت أجسامنا وعمت الفوضى واعتقدنا أنها نهاية العالم.

 

تفجيرات رقان… وقائع من مآسي الأجداد

استيقظ سكان منطقة رقان الواقعة بالجنوب الغربي صباح يوم 13 فيفري 1960 على الساعة السابعة وأربع دقائق على وقع انفجار ضخم ومريع جعل سكان الجزائر حقلا للتجارب النووية وتحويل أكثر من 42 ألف مواطن من منطقة رقان ومجاهدين، حكم عليهم بالإعدام، إلى فئران تجارب للخبراء الإسرائيليين وجنرالات فرنسا على رأسها الجنرال ديغول.

وقد صرح جنرالات فرنسا أن اختيار منطقة رقان لإجراء تجربة القنبلة الذرية، وقع في جوان 1957، حيث بدأت الأشغال بها سنة 1958 وفي أقل من ثلاث سنوات وجدت مدينة حقيقية برقان يقطنها 6500 فرنسي و3500 صحراوي كلهم كانوا يشتغلون ليل نهار لإنجاح إجراء التجربة النووية في الآجال المحددة لها، وقد بلغت تكاليف أول قنبلة ذرية فرنسية مليار و260 مليون فرنك فرنسي، تحصلت عليها فرنسا من الأموال الإسرائيلية بعد الاتفاقية المبرمة بين فرنسا وإسرائيل في المجال النووي.

ففي صبيحة هذا اليوم المشهود، تمت عملية التفجير تحت اسم “اليربوع الأزرق”، تيمنا بلون الكيان الصهيوني وأول لون من العلم الفرنسي، هذا التفجير الذي سجل بالصوت والصورة بعد الكلمة التي ألقاها ديغول في نقطة التفجير بحموديا (65 كلم عن رقان المدينة)، قبل التفجير بساعة واحدة فقط ، وتم نقل الشريط مباشرة من رقان إلى باريس ليعرض في النشرة الإخبارية المتلفزة على الساعة الثامنة من نفس اليوم بعد عرضه على الرقابة.

نجحت فرنسا وإسرائيل في تجاربهما النووية المشتركة وهما تدركان حق الإدراك أن سكان هذه المنطقة سيعانون لفترة تزيد عن 4500 سنة من وقع إشعاعات نووية لا تبقي ولا تذر ولا تفرق بين نبات وحيوان وانسان أو حجر، ارتكبت فرنسا جريمتها الشنعاء مع سبق الإصرار، ذلك أنها كانت تسعى للالتحاق بالنادي النووي آنذاك بغية إظهار عظمتها للعالم مع مد الكيان الصهيوني بالتسلح النووي سرا بأي ثمن.

 

حوامل أجهضن… مبصرون فقدوا أبصارهم وأصحاء أصيبوا بأمراض عقلية

                       

نقل إثر تفجيرات رقان الكثير من الأهالي إلى المستشفى العسكري الفرنسي بالقاعدة لمعاينتهم وفقط… دون إعطاء علاج، ساعات بعد تفجير “اليربوع الأزرق” حسب رواية “رقاني محمد بن هاشم”، من مواليد 1937، كان وقتها يشتغل ممرضا بالقطاع الصحي الفرنسي رفقة الطبيب “بيشو دوغي” كان آنذاك “الرقاني” الجزائري الوحيد ضمن القطاع الصحي الفرنسي بالمنطقة، الذي يؤكد “أن فرنسا تعمدت استعمال سكان القصور كفئران تجارب خصوصا بعد إحصائهم لمدة 4 أشهر قبل التفجير دون استثناء أحد، قبل أن تخرجهم للعراء، غطاؤهم يوم التفجير كان السماء، تاركين بيوتهم خالية مفتوحة النوافذ والأبواب وهم وسط الصحراء، يقول “الرقاني محمد” إن فرنسا كلفتهم بإخبار أهالي القصور عن التدابير التي يجب أن يتخذوها، بإغماض أعينهم والانبطاح فوق الأرض على وجوههم قبل الانفجار إثر رؤيتهم للطائرة التي ستحلق فوقهم، كما تم تسليم كل فرد صحراوي قلادة كشف الإشعاع تحمل رقما تسلسليا مع تهديد كل من يضيعها، بالسجن، ويضيف ذات المتحدث، يومها ارتفعت غمامة نووية في السماء، لكنها سرعان ما جلبتها الرياح نحو المناطق الآهلة بالسكان، فقد تم نقل عائلات الضباط الفرنسيين من مدينة رقان على جناح السرعة لتجنيبهم أي خطر، كما لحقهم بعد ذلك كل القادة العسكريين خوفا على أرواحهم، فيما ترك الناس وسط غيمة من الغبار النووي لا تستطيع من خلاله إبصار شخص آخر على بعد 3 أمتار، وفي اليوم الموالي، تم استرجاع كل القلادات وتسجيل كل التغيرات الطارئة على الأفراد بعد الفحص الطبي الذي أجري عليهم، فيما نقلت الحالات المتضررة إلى القاعدة العسكرية لمتابعة تطوراتها قصد معرفة آثار الإشعاع على البشر بعيدا عن نقطة الصفر.

 

القنبلة النووية السطحية بقوة ثلاثة أضعاف قنبلة هيروشيما باليابان

بعد “اليربوع الأزرق” جاءت قنبلة “اليربوع الأبيض”، ثم “اليربوع الأحمر” حسب ترتيب الألوان الثلاثة للعلم الفرنسي لتختتم التجارب الاستعمارية النووية بمنطقة حموديا رقان بالقنبلة الرابعة والأخيرة التي سميت “باليربوع الأخضر”، وهذا في 25 أفريل 1961، لتنفتح شهية النظام الديغولي من أجل التنويع في التجارب النووية في العديد من مناطق الصحراء الجزائرية لتصل قوة تفجيراتها إلى 127 كيلو طن من خلال التجربة الباطنية بالهقار، حيث صرح الجنرال “فاو” أن إجمالي التفجيرات بالصحراء الجزائرية 117 تفجير نووي بمختلف المقاييس.

 

تنديد الدول الإفريقية والشقيقة

أبدت العديد من الدول موقفا متضامنا مع الجزائر مندّدة بالتفجيرات، واعتبارها خرقا للأعراف وعدوانا آخرا على سيادة الجزائر وشعبها، وأما الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية عبّرت هي الأخرى عن مواقفها، فالجامعة العربية عقدت جلسة في 31 مارس 1960 الذي صادف واحدا من التفجيرات، وناقشت لجنة الشؤون السياسية ببالغ القلق موضوع تفجير فرنسا قنبلتها الذرية الثانية في الصحراء الإفريقية مستهينة بسلامة سكان المنطقة وأمنهم.

 وأعربت أمانة مؤتمر الشعوب الآفروآسيوية عن استيائها، وحرّرت برقية وجهتها إلى شارل ديغول تصف فيها التفجير بالخرق والمساس بحرمة وسيادة الشعب الجزائري وتحدّيا سافرا للرأي العام الدولي.

وأما المنظمة الأممية، اكتفت بالإعراب عن قلقها إزاء التفجيرات وأنها منشغلة بمتابعة تطورات القضية أمام تنكر الدول الغربية عن طريق ممثليها الذين طبّقوا لغة الصمت، وانتهت جلستها الطارئة ليوم 20 نوفمبر 1959 بإصدار القرار رقم 1379 الذي يطالب فرنسا بوقف تجاربها نظرا لما تحدثه من مضايقة للشعوب خاصة منها الشعوب الإفريقية.

 

وزير المجاهدين الطيب زيتوني: المفاوضات مستمرة لتعويض ضحايا التجارب النووية

                                    

كشف وزير المجاهدين الطيب زيتوني في تصريح للصحافة بأن فرنسا قد وافقت “مبدئيا” على المقترح الذي قدمه الطرف الجزائري حول كيفية تعويض باريس لضحايا التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، مشيرا في ذات الوقت إلى أن الحوار متواصل عبر القنوات الدبلوماسية، مع الجانب الفرنسي لاسترجاع جماجم المقاومين الجزائريين الموجودة بمتحف الانسان بباريس، وأوضح الوزير أن الجزائر قد اعترضت على المقترح الفرنسي الذي يدعو إلى تسوية ملف ضحايا التفجيرات النووية التي قامت بها القوات الفرنسية في الجزائر باعتبار أن هذا القانون “يقصي الجزائريين من التعويضات”، مبرزا بأن الطرف الجزائري قد قام في إطار اللجان التي تم تنصيبها بتسوية قضايا الذاكرة، بتقديم مقترح بديل حول كيفية تعويض الجزائريين الذين ذهبوا ضحية التجارب النووية التي قامت بها فرنسا في منطقة رقان بالصحراء الجزائرية، انطلاقا من 13 فيفري 1960، وهو المقترح الذي قال الوزير إن الجانب الفرنسي قد أبدى موافقته عليه”.

 

فاطمة بن براهم:”ملف جرائم التفجيرات النووية عرف تقدما كبيرا والأرشيف الصحي هو الحائل دون إكماله”

من جهتها، قالت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم إن السلطات الفرنسية والرأي العام الفرنسي باتا يعترفان باستخدام الجزائريين كعينات للتجارب في التفجيرات النووية الرهيبة التي نفذها الجيش الفرنسي في منطقة رقان بالجنوب الجزائري في 13 فيفري 1960، موضحة أن المشكل المعيق لمسار الملف يكمن في غياب الأرشيف الصحي الخاص بضحايا إشعاعات هذه التفجيرات لتحديد الأمراض الواجب تعويضها بشكل استعجالي.

وقالت المحامية إن ملف متابعة جرائم التفجيرات النووية الفرنسية بصحراء رقان عرف تقدما كبيرا، بفضل الجهود الجبارة لأعضاء اللجنة المختصة التي تتابع الملف وكل المتعاطفين الأجانب مع مطلب الاعتراف بهذه التفجيرات وتعويض ضحاياها والمتضررين منها إلى غاية اليوم، داعية إلى ضرورة الضغط على الإدارة الفرنسية لاسترجاع أرشيف الملفات الصحية للجزائريين الذين تعرضوا لهذه الإشعاعات النووية للتفجيرات التي ما تزال انعكاساتها على سكان المنطقة لحد الساعة.

وأضافت المحامية بن براهم أن الأولوية الآن تكمن في البحث عن هذا الأرشيف المخزي في تاريخ فرنسا الاستعماري لتسهيل المتابعة القضائية لهذا الملف على مختلف المستويات خاصة من الناحية الطبية بما يسمح بتحديد قائمة الأمراض المرشحة للتعويض جراء الإشعاعات النووية لهذه التفجيرات، وذكرت المتحدثة القائمة التي أعدتها الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1988 لتعويض الأمراض الناجمة عن تفجيراتها النووية بكل من هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين، والتي نصت على 36 مرضا خطيرا.

واستغربت بن براهم تغييب الضحايا الجزائريين من إجراءات التعويض في مختلف التقارير الفرنسية الصادرة في هذا الصدد، والتي تستهدف فقط الضباط الفرنسيين الذين كانوا يزاولون مهامهم في منطقة رقان، إلى جانب نكران هذه التقارير لوجود أي حياة بشرية أو حيوانية بالمنطقة.

وطالبت بن براهم في الأخير إدراج التفجيرات النووية في صحراء رقان التي استهدفت أكثر من 40 ألف شخص ضمن جرائم الدولة والتي تستدعي محاكم خاصة لمتابعة إجراءات المتابعة والتعويض.

 

الخبير الباحث في التطبيقات النووية عمار منصوري: “يمكن لانعكاسات تفجيرات رقان أن تستمر لثلاثة أجيال متعاقبة”

أكد الخبير الباحث في التطبيقات النووية السيد عمار منصوري الانعكاسات الخطيرة التي أنتجتها التفجيرات النووية الفرنسية بمنطقة رقان على الإنسان والحيوان والمحيط البيئي، معتبرا أن هذه الانعكاسات بإمكانها أن تستمر لثلاثة أجيال متعاقبة في حال عدم التدخل الصحي العاجل لتدارك الوضع.

وأوضح أن سكان منطقة رقان وعين أكر تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب على أيدي أفراد الجيش الفرنسي، من خلال تجريبهم في هذه التفجيرات التي لم يسلم منها حتى الحيوان والنبات، مشددا في هذا السياق على ضرورة اعتراف فرنسا بالخدمة التي قدمها جلادوها لمنفذي هذه الأعمال الإجرامية.

وذكر الباحث منصوري بلجنة تقييم ملف تجريم الاستعمار التي فصلت في الأخير بتعويض 4 ملفات لضحايا فرنسيين دون الجزائريين، علما أن هذه اللجنة تلقت 636 ملفا لضحايا جزائريين منهم 407 ملفات تعتبر كاملة من حيث الوثائق و225 ملفا قيد الدراسة، كما أضاف أن فرنسا اليوم تواجهها تهمة التجارب البيولوجية لاستهدافها الحياة الإنسانية والحيوانية وهو ما يسمى بالجرائم ضد الإنسانية، حسب ما أشارت إليه اتفاقية روما 1998.