تبقى عروس الزيبان تعاني غياب مهرجان محمد العيد آل خليفة الشعري الذي دأبت على تنظيمه كل عام، وتبقى الوعود من كل الجهات حبرا على ورق ولكن إرادة الفعل الحقيقي تبقى غائبة، فحجة التقشف لم تعد مقنعة، فما صرفته الثقافة في حفلات الغناء والرقص خلال شهر رمضان هذه السنة يدل على ذلك… ليبقى محمد العيد الحاضر الغائب ..
وتمر اليوم 40 سنة كاملة على وفاة شاعر شمال إفريقيا وأمير شعراء الجزائر الشاعر الكبير محمد العيد آل خليفة…
هذا، وقد ولد محمد العيد آل خليفة بعين البيضاء في 16 جمادى الثانية 1322 هـ الموافق لـ 28 أوت 1904 من عائلة دينية محافظة متصوفة تنتمي للطريقة التيجانية، تنحدر أصلا من بلدة كوينين بالوادي، حفظ القرآن وتعلم أصول الدين من علماء البلدة ثم سافر إلى تونس للتحصيل، تولى إدارة مدرسة الشبيبة الإسلامية بالجزائر العاصمة في 1927 لمدة 12 سنة، له دور كبير في تأسيس جمعية العلماء المسلمين، عاد إلى بسكرة سنة 1941 ثم باتنة…. واصل رسالته في التغني بالحرية والتبشير بالإستقلال والنصر، فكتب نشيد من جبالنا طلع صوت الأحرار… ليجد نفسه في مواجهة آلة الإحتلال، فدعاه قاضي التحقيق للتصديق على مناشير تندد بالثورة فرفض رفضا قاطعا وتم وقفه من العمل بمدرسة العرفان وبعدها تم غلق المدرسة وحولت إلى ملحقة ثكنة عسكرية.
واصل محمد العيد نشاطه النضالي بالمساجد والساحات ليؤخذ في جوان 1955 مكبلا وبعد 14 يوما قدم للمحكمة بتهمة التحريض ضد السلطات، وبعد إطلاق سراحة عاود نشاطه إلى آخر السنة، حيث إقتحموا منزله بتهمة التحريض على إعدام المستوطن الفرنسي (جوليان) لتفرض عليه الإقامة الجبرية بمنزله ببسكرة تحت الحراسة المشددة، فظل حبيس جدران بيته طوال الثورة…
أما بعد الإستقلال فلزم الاعتكاف ببيته متعبدا ذاكرا زاهدا في الدنيا قليل المشاركة في النشاطات العامة والخاصة، كان يقضي نصف السنة ببسكرة والنصف الثاني بباتنة، حيث توفي بها ذات صيف يوم 31 جويلية 1979..
جاء في تقديم مجلة الشهاب لشكيب أرسلان لمحمد العيد:
أرق بالشعر لا عدمت وفيا.. قد عرفناك تابعا عبقريا.. قد عرفناك نابغ الفكر حرا..
شابه الذكر مخلصا وصيا.. قد عرفناك بالجزائر برا يوم أحنيت ذكرها الأديبا.
من شعره
أنا ابن جدي ووقومي السادة العرب
وحرفتي ماخييت الشعر والأدب
انفقت وقتي في شعر وفي أدب
لاشغل عندي إلا الشعر والأدب
ولاغداء بها أحيا بغير طوى
منعم البال إلا الشعب والآدب
آثاره، نشيد من جبالنا طلع صوت الأحرار.أنشودة الوليد ورواية بلال بن رباح وديوان محمد العيد..
وبالمناسبة أتذكر وأنا صغير أن الوزيرين عبد الحميد مهري وأحمد طالب الابراهيمي كانا يترددان على بيته نهاية السبعينيات من أجل جمع أعماله وطبعها، فكان ديوان محمد العيد الذي طبع في ذلك الوقت عن طريق الشركة الوطنية للنشر والإشهار sned .. ومازالت أعماله المخطوطة التي لم تر النور بعد عند عائلته ببسكرة وهذا حسب تصريح لزوجو إبنه السيدة مرابط حسينة المقيمة ببسكرة والمهتمة بأعمال جد أبنائها الشاعر الكبير وبعودة مهرجان محمد العيد الشعري..
مهرجان محمد العيد آل خليفة..
دأبت ولاية بسكرة على تنظيم المهرجان الشعري محمد العيد آل خليفة وهو مهرجان وطني مسجل سرعان ما تحول إلى مغاربي، ثم دولي كانت عاصمة الزيبان تحتفل به طول مرحلة الثمانينيات من القرن الماضي إلى غاية بداية التسعينيات، حيث كانت تحضره عدة وجوه شعرية بارزة مثل السائحيين الكبير والصغير وكذا شاعر جزائرنا محمد الشبوكي وسليمان جوادي عمر البرناوي وأبو القاسم خمار، عبد العالي رزاقي وحرز الله محمد الصالح…. إضافة إلى اكتشاف شعراء شباب صار لهم شأن عظيم، فيما بعد مثل عبد الله بوخالفة رحمه الله، دلباني أحمد بوعلام، عاشور فني، عمار مارياش، ديداني رضا، علي مغازي…. والقائمة طويلة.
وكان المهرجان مدرسة وقطبا من أقطاب الشعر يضاهي المربد الشعري وسوق عكاظ ….لكن من المؤسف أن هذا المهرجان قد توقف في السنوات الأخيرة نظرا للضائقة المالية التي مرت وتمر بها البلد…. فأصبح المهرجان حلما، ولكن ظهرت نداءات في المدة الأخيرة تطالب بعودة المهرجان إلى أصله ونتمنى أن تجد هذه النداءات صدى لها في أقرب وقت إن شاء الله.
حركاتي لعمامرة