في إطار الحفاظ على التراث اللامادي الجزائري.. سطيف تحتفي بـ “المرأة” في الحكاية الشعبية

elmaouid

“الحكاية الشعبية كائن حي، وله أجنحة يطير بها عابراً الحدود، بدون جواز سفر، لذلك نرى فيها ملامح إنسانية عامة، إذ تتشابه، وتتشابك، وتنمو، وتحيا في أرجاء دنيانا، مثيرة، ممتعة، صالحة في كل مكان وزمان”.

بهذه المقدمة، اختار الشاعر الجزائري علاوة كوسة أن يبدأ مداخلته “سحرُ الحكي في بقرة اليتامى” القصة الشعبية التي توارثها الجزائريون جيلاً إثر جيل، خلال الملتقى العربي الأول للحكاية الشعبية بولاية سطيف، الذي حمل عنوان “الجازية للحكاية الشعبية”، وبادرت بتنظيمه جمعية “النبراس الثقافي” بالتعاون مع وزارة الثقافة، وبمشاركة عدة باحثين وأكاديميين وحكواتيين من الجزائر وتونس وليبيا والمغرب.

وتعدُّ السيرة الهلالية بحلقاتها الثلاث (الريادة والتغريبة وديوان الأيتام) السيرة الشعبية الأكثر انتشاراً في الوطن العربي، إذ تمتد دائرة السرد الهلالي لتشمل المنطقة الواقعة بين العراق شرقاً والمغرب غرباً، وبين سوريا شمالاً وجنوب الجزيرة العربية والسودان جنوباً، وقد وجد الباحثون قصصاً لا تزال تتردد في مناطق بغرب نيجيريا، وحول بحيرة التشاد، وبلهجات اللغة العربية المحلية هناك.

ويكشف الباحث التونسي سفيان المسيليني من المعهد العالي للغات بقابس أن “الجازية” الهلالية، أو “المرأة التي صنعت تاريخ الرجال”، هي “الشخصية الأسطورية الأساسية التي تسيطر على السيرة الهلالية، تلك الملحمة الشعبية العربية التي ما زالت متداولة إلى اليوم في كامل أرجاء الوطن العربي”.

ويتابع بالقول إن الجازية الهلالية هي “سيرة شعبية لامرأة ولدت بصحراء نجد أوائل القرن الرابع الهجري، كانت ذات حسن فائق، وكان الكثيرون يطلقون عليها اسم نور بارق، ورغم تنافس العديد من أبطال القبيلة للزواج منها إلا أنها لم تكن تهتم بتحقيق سعادتها الشخصية وتؤْثر مصالح قومها على عواطفها ورغباتها الذاتية، فآثرت الزواج بالأمير شكر لمصلحة القبيلة، ولعبت دوراً كبيراً في حياة قبيلتها بتحقيق المصالحة وإنهاء الخصومات بين زعمائها، والمساهمة بالرأي حين يختلف قادتها، وشاع اسم الجازية الذي يعني المحور الذي يربط وينسق بين حركات وأجزاء الساقية”.

ولمكانتها في التراث العربي اختار القائمون على هذا الملتقى أن تكون “الجازية” عنواناً لهذا المحفل الأدبي. وأبرز رئيس جمعية نبراس الثقافية، الشاعر والكاتب نبيل غندوسي، لـ “الخليج أونلاين”، أن الهدف من إقامة هذا الملتقى “الحفاظ على التراث اللامادي الجزائري، الذي تعدُّ الحكاية الشعبية أبرز مكوناته”.

وما يبرز الحاجة لإقامته- حسب قوله- أن “الانتشار الإلكتروني خلق هوّة سحيقة بين هذا التراث وبين الناشئة، لذلك وجب إحياؤه وتقديمه للناشئة كي تتلمس مستقبلها بحكمة وذكاء، بفتح باب المقارنة بين الحكايات الشعبية الجزائرية مع نظيرتها العربية والأجنبية من حيث الفنيات والموضوعات والمحمولات الفكرية والتربوية والتاريخية”.

وفي مداخلة حملت عنوان “الحكاية الشعبية التونسية.. جاذبية الحكي وغواية التأويل”، أكد سفيان المسيليني أن “الحكايات الشعبية تظل كنزاً لا ينفد من التأويلات والإشارات التاريخية والثقافية”، ويظل هذا الكنز برأيه “جاذباً لغواية التأويل بمختلف مرجعياته”.

ورغم ما سبق يعتقد أن “الاشتغال الثقافي والتأويلي للحكاية الشعبية العربية لم يحظ بالعناية الكافية من الدرس والبحث على الرغم من أهميته، إذ أن جل الدراسات الخاصة بالحكاية الشعبية العربية ركزت على منهجية التحليل الشكلاني والبنيوي الجمالي في رصد الوظائف والبنى، وأغفلت جانب المعنى في ارتباطه بالأنظمة الثقافية لهذا النوع السردي الشعبي الشفاهي، وما يستتبع ذلك من اشتغالات تأويلية”، بحسب المسيليني.