فيما تعد السواحل وجهة الغالبية…جزائريون يقصدون الصحراء للتداوي في عز فصل الصيف- الدفن في الرمال.. علاج تراثي يبحث عن تأصيل علمي مدروس

elmaouid

 مع ارتفاع درجة الحرارة، يتوجه الجزائريون عادة إلى سواحل البلاد التي يمتد ساحلها لأكثر من 1600 كلم، غير أن آخرين يفضلون التوجه إلى مدن الجنوب الصحراوية بحثا عن العلاج بالرمال الساخنة، ويبدأ المصابون خصوصا بأمراض المفاصل بالتوجه إلى المناطق الرملية التي تشهد حرارة مرتفعة قصد التداوي عادة منتصف شهر جويلية ويستمر الموسم إلى غاية منتصف شهر أوت، وتخصص المدن الصحراوية المعروفة بهذه الظاهرة

على غرار تاغيت ووادي سوف في العادة مخيمات لاستقبال الزوار الذين يدفنون أجسادهم في الرمال تحت درجة حرارة مرتفعة.

ويتزايد الإقبال على هذا النوع من العلاج المصنّف ضمن التداوي بالطب البديل من سنة إلى أخرى، إذ يستغل المرضى صيف كل سنة لعلاج بعض أمراضهم بالردم في الرمال تحت أشعة الشمس الحارقة.

 

الرمال بعد استنفاد السبل الطبية

يقبل المئات بل الآلاف من المرضى بداية من منتصف هذا الشهر على الصحاري، بحثا عن علاج بديل لأمراض المفاصل والروماتيزم وآلام الظهر عن طريق الردم تحت الرمال كطب بديل، بعد استنفادهم كل السبل الطبية من فحوصات وأدوية، ولم يبق أمامهم سوى اللجوء إلى رمال الصحراء للتخلص من آلام لا تحتمل نغصت يومياتهم وأرقت لياليهم.

ويرى بعض العارفين بخبايا رمال الصحراء أن آلية “الردم تحت الرمال” تعتبر بحق طبا بديلا لعلاج أمراض المفاصل والروماتيزم وآلام الظهر التي أصبحت سمة العصر، حيث أثبتت التجارب الميدانية نجاعتها وأثرها الإيجابي والسريع في نفس الوقت على صحة المريض.

 

ساعتان من العلاج وردم للجسم تحت الرمال

عادة ما يكون التداوي بالرمل عن طريق دفن كامل أعضاء الجسم أو العضو المعتل تحت الرمل، حسب درجة تحمل وصبر المريض وقدرته على البقاء ساعتين تحت الرمال الساخنة، حيث يتم تغطية الجسم بالرمال الصافية النقية تحت أشعة الشمس باستثناء الرأس الذي يترك في الظل باستعمال واق من القماش.

ويؤكد المشرفون على مراحل هذا العلاج التقليدي أنه بمجرد مرور دقائق على عملية الردم يحدث تحول فيزيولوجي وكيميائي داخل الجسم، لأن أشعة الشمس حسبهم تتغلغل في الرمل الذي يكتسب حرارة كبيرة، وفي نفس السياق يوضح العارفون أن حرارة الرمل تشكل تفاعلات بين الأمواج الكهرومغناطيسية لأشعة الشمس وبين الجسم المعتل وذلك عن طريق حبات الرمل التي تكتسب خاصية شفائية بفعل احتوائها على طاقة كهرومغناطيسية ذات خاصية علاجية عالية.

ويعالج الرمل الطبيعي – حسب مختصين – عدة أمراض معروفة وغير معروفة ليست مقتصرة على المرضى بل حتى الأشخاص العاديين يمكنهم الاستفادة من العلاج بالرمل، ويذكر بعض الأشخاص الذين خضعوا لهذا العلاج أنهم يشعرون بعد الجلسات العلاجية بالرمل بأن صحتهم تحسنت، كما تحسن عمل الكثير من وظائف الجسم مما يعني أنهم لم يكونوا يعلمون بأن أجسامهم كانت معتلة ولكنهم أدركوا ذلك بعد مقارنة حالتهم بعد الدفن في الرمال، ومن بين الأمراض الخطيرة المعروفة التي يعتبر العلاج بالرمل فعّالا لها أمراض البرد عموما وخاصة الروماتيزم وكذلك داء المفاصل، كما تحسّنت حالات أشخاص كانوا يعانون من أمراض السكري والمعدة وبعض اختلالات الجهاز الهضمي والعظام وخاصة الانزلاقات الغضروفية والفقرات شرط أن تكون وضعية المريض تحت الرمل مناسبة لهذه الحالات.

وتدوم الجلسة العلاجية نحو ساعتين وتبدأ في الغالب مباشرة بعد منتصف النهار أو مع صلاة الظهر لارتفاع درجة حرارة الشمس في هذه الفترة، وتدوم إلى غاية صلاة العصر أو قبلها بقليل، حيث يشهد جسم المريض خلال الجلسة تفاعلات وظيفية، إذ يقوم الجسم بإفراز كميات كبيرة جدا من العرق الذي يمتصه الرمل على الفور وهو ما يسميه المرضى بخروج المرض ويتخلص الجسم من الكثير من التسممات.

 

.. ولأمراض السكري والجهاز الهضمي نصيب من العلاج

أكد عدد من المختصين أن “الردم تحت الرمال” أو ما يسمى في أوساط المجتمع المحلي بمنطقة وادي سوف بـ “التعريق”، علاجا فعالا لمختلف الأمراض بما فيها أمراض السكري والمعدة والجهاز الهضمي، وهذا بشهادة بعض المرضى الذين أكدوا أنهم تماثلوا للشفاء بعد خضوعهم لجلسات علاجية متتالية.

ويقول السيد “عبد الكريم” – الذي مر بالعلاج- ، أن التوصل لهذه النتائج العلاجية يستلزم أبحاثا علمية دقيقة لربط هذه النتائج المحققة في التماثل للشفاء بمراحل العملية العلاجية، وشدد المتحدث على ضرورة تقيد المريض بالوضعية المناسبة ومدة العلاج تحت الرمل ونمط الغذاء، حيث عادة ما تدوم الجلسة العلاجية ساعتين خلال الفترة الزمنية التي تبدأ عادة الواحدة زوالا، أين تعرف درجة الحرارة أوجها إلى غاية الثالثة زوالا، حيث يشهد جسم المريض خلال الجلسة تفاعلات وظيفية بإفراز كميات كبيرة من العرق الذي يمتصه الرمل وهو ما يسميه المرضى بخروج المرض وتخلص الجسم من التسممات.

 

مساع لدراسة العلاج المستمد من التراث

وذهب المتحدث إلى حد التأكيد على إلزامية أن يتوفر هذا “العلاج” المستمد من التراث على تأصيل علمي مدروس، يتمثل في خضوع المريض لفحوصات طبية لتأكيد مدى استجابته لهذا النوع من العلاج، لاسيما أنه يشكل خطرا حقيقيا لمرضى ارتفاع ضغط الدم مثلا، وإخراجه من نمطه التقليدي العشوائي وذلك من خلال استحداث عيادات حديثة تعنى بنمط العلاج بالردم تحت الرمال، تسبقها أبحاث دقيقة عن هذا العلاج خصوصا وأن الوافدين من أجله بصحراء الجزائر في تزايد مذهل من سنة إلى أخرى.

 

نمط غذائي مضبوط لاستكمال العلاج

أما عن نمط الغذاء المصاحب للعلاج، فيكون خاصا، وعادة ما يكون “الكسكسي” المطبوخ بالأعشاب الطبية، كما تمنع على المريض المشروبات الباردة أثناء الجلسة وإنما يكتفي بفاكهة بها الكثير من الماء مثل البطيخ بنوعيه الأحمر والأصفر في حالات العطش.

 

تعليمات صارمة ومسيرة علاج تبدأ مع بزوغ شمس الصباح

تبدأ حصة العلاج بحفر حفرة للمريض مع شروق الشمس، على طول جسمه وبارتفاع لا يتجاوز 70 سم على سفح الكثبان الرملية، باعتبارها أكثر الأماكن عرضة للشمس باستعمال معاول الحفر، كما تحضر الخيمة التي عادة ما تكون مصنوعة من شعر الإبل، وينقل إليها المريض بعد عملية الردم وهي المهمة التي يقوم بها فريق تحت إشراف مختص عادة ما يكون من الشيوخ، حيث يوضع المريض داخل الحفرة ويردم برمل درجة حرارته تتجاوز الخمسين درجة مئوية، وتختلف مدة المكوث من شخص إلى آخر حسب درجة التحمل، وقد يصل الأكثر تحملا إلى 45 دقيقة، أما النساء فقدرة تحملهن أقل بكثير وتقوم بخدمتهن سيدات من أقارب المعالج من أول الردم إلى غاية الجلوس في الخيمة حتى التدليك والمبيت في نُزل خاص بهن. ويتدخل المساعدون لإخراج المريض من حفرته قبل أن تتفاقم حالته ويريحونه داخل الخيمة المُعدة له سلفا فوق الرمال الساخنة وتحت أشعة الشمس حيث يتم إحكام غلقها ويترك لمدة ثلاث ساعات، ومن التعليمات الصارمة الحيلولة دون تعرض المريض لأي تيار هوائي أو تقديم أي سوائل باردة، بل يقدم له مشروب الحلبة الدافئ، ثم يدثر بالأغطية ويعود به إلى غرفة المبيت التي تظل مغلقة عليه بينما يقوم أحدهم بتدليك جسده بزيت الزيتون الدافئ.

أما الوجبة الرئيسية في مثل هذا اليوم القاسي فتكون بعد غروب الشمس ويمكن للمريض عندها تناول حساء الخضروات الدافئ ونصف دجاجة ويخلد للنوم العميق.

وحسب برنامج الردم يحصل المريض في حوالي الساعة السابعة صباحا على وجبة إفطار من نوع خاص يعرف بـ “اللاقمي”، وهو عصير النخلة ولونه أبيض وله مذاق حلو ويتناول المريض آخر وجبة له قبل أن يواري جسده مجددا في الحفرة أي بحلول الساعة الحادية عشرة صباحا مكونة من اللبن الرائب مع حبات من التمر ولا يقرب الشراب إلا دافئا بعد أن يخرج من الحفرة إلى الخيمة، فيما لا يسمح له بتذوق الطعام إلا حين يتم نقله إلى غرفة المبيت مع الغروب، ويستحسن أن تستمر مدة العلاج بالردم تحت الرمال “التعريق” لمدة أسبوع مثلما يؤكد على ذلك المختصون.