يكشف شهر رمضان الفضيل استهتار بعض الجزائريين بقيمة العمل ومكانته في المجتمع، حيث تتراجع مردودية أغلب العمال، ويظهر ذلك جليا في عديد القطاعات العمومية، سيما الخدماتية منها التي تكثر بها العطل
المرضية وغيرها.
ووفق شهادات عديدة للمواطنين، فإن غالبية العاملين الجزائريين في القطاع العمومي يهدرون مبدأ احترام العمل ومواقيته والحرص على مردودية جيدة في شهر رمضان، ويكفي فقط أن نقوم بزيارة خاطفة لبعض الإدارات ومصالح الخدمة العمومية، أين نقف على تأكيد هذه الحقيقة المرّة التي يعرفها جل الجزائريين.
جزائريون يعملون ساعتين يوميا
وفق دراسة جزائرية أجريت العام الماضي، فإن مردودية عمل الجزائري قُدرت بثلاث ساعات يوميا من أصل 8 ساعات مقرّرة، وفي رمضان تقل هذه المردودية إلى ساعتين فقط بسبب بعض الظروف الخاصة بهذا الشهر، التي يُعلق عليها هؤلاء تراجع أدائهم على غرار الجوع والعطش وقلة النوم واضطرابه.
ويقول المختصون إن كل هذه الأوضاع تولّد عملية متداولة بين كل الفئات الاجتماعية تؤدي فيما بعد إلى عدم الثقة التي تكبر، لتصبح جميع العلاقات الاجتماعية محل شك وارتياب في كل ما هو جزائري.
ويقول بعض المختصين إن السياسات المتعاقبة في بلادنا ربّت ونمّت في الجزائريين عدم تقدير العمل، من خلال عدم متابعة بعض البرامج الهادفة للأخذ بيد أصحابها، غير أنّ التساهل في الحصول على النتائج المرجوة والتسامح مع الفاشلين شجع على عدم تقدير الذات والعمل، ويستبعد المختصون أن تكون سياسة عدم التحفيز هي السبب في ذلك، فأحيانا يكفي التقدير والاهتمام فقط ولو بكلمة طيبة أو التفاتة مشرفة، فالتحفيز يتم في إطار منظومة ثقافية كبيرة.
من جهته، انتقد زهير بطّاش استشاري ومكوّن بالمعهد الوطني للعمل تراجع المردودية وسط العمال في رمضان، مؤكدا أنه من غير المقبول أن يكون شهر رمضان سببا في تراجع العمل، ماعدا بعض المهن الشاقة التي تتطلب أقلمة للوقت أو تنظيما خاصا لتمكين الصائمين من الإفطار مع عائلاتهم، مطالبا المستخدمين بفرض أهداف علمية على مدار السنة وخلال رمضان ترتكز على قواعد علمية.
دعوة لإعادة النظر في منظومة العمل
من جهته، أوضح جمال عبد القادر، استشاري في قضايا العمل أنّ الجزائريين في رمضان يذهبون للعمل، ولكن لا يعملون وهو ما يطرح إشكالية العمل في بلادنا التي تمتد إلى سائر الأيام، مفيدا بأن قيمة العمل تظهر جليا من خلال الأهداف المحددة والمسطرة وما تحقق منها، وليس من خلال ساعات العمل فقط، وأضاف “هذا الواقع يدفع فعلا إلى التفكير في استراتيجية للتشجيع على العمل أكثر منها مراجعة الأجرة التي يتقاضاها الموظفون الصغار في الوظيف العمومي التي لا تحفزهم على بذل مجهودات أكبر”.
واقترح المتحدث حلولا من أجل إعادة القاطرة إلى السكّة مثلا العمل ليلا بالنسبة لبعض المصالح وفق مبدأ المرونة في العمل، وليس الصرامة الهدامة.
.. وآخرون يؤجلون أعمالهم إلى “مور رمضان”
تبرز ظاهرة تأجيل المواعيد والأعمال إلى ما بعد شهر رمضان بشكل لافت، في الجزائر، مع مطلع شهر الصيام، ولا تقتصر الظاهرة على الجانب الشخصي، بل تمتد إلى الإدارة العمومية، وحول هذا الموضوع يشير الباحث في الشؤون الاجتماعية، الإعلامي مولود دباح، إلى أن شركة “ديانسي” للأشغال الكبرى، التي كان مقرها بسيدي موسى في الجزائر العاصمة، وتعرضت فيما بعد للحل، كان يشتغل بها 17 ألف عامل، وسجلت عام 1987، انخفاضا في مردودية العمل خلال شهر رمضان، وصل إلى 70 بالمائة في بعض الأحيان.
ويضيف دباح في حديثه عن ظاهرة تأجيل المواعيد خلال شهر رمضان، أن المدير العام للشركة في ذلك الوقت، أصدر قرارا يقضي بمنح الإجازات والعطل السنوية للعمال، وكافة مهندسي وفروع الشركة، خلال شهر رمضان، لتفادي التراخي في العمل، والتأجيل المتكرّر للأشغال.
وحسب ذات المتحدث، فإن الظاهرة تحمل تفسيرين، الأول اجتماعي، والثاني نفسي، وبرأيه فإن تأجيل المواعيد والأعمال إلى ما بعد شهر رمضان، هو “ظاهرة متجذرة جدا في المجتمع الجزائري، لعوامل اجتماعية، ونفسية”، مضيفا أن الصيام بالنسبة للكثيرين يعني الجوع والعطش والتعب البدني الذي يؤثّر على نفسية الصائم.
ويُرجع دباح هذا الشعور، إلى عدم قدرة البعض على مقاومة عادة تناول المنبهات، مثل التدخين والشاي والقهوة، الأمر الذي يؤثّر على معنويات الصائم، وبالتالي، التأثير على عمله، ومحيطه المهني، الأمر الذي يؤدي في الحالة الجزائرية إلى “اعتبار العمل عبئا، يجب تأجيله إلى ما بعد فترة الصيام المتعبة”.
أهم الأعمال كانت تُنجز في رمضان
ويوضّح الباحث في الشؤون الاجتماعية، أن التاريخ يسجل بأن “أهم الأعمال، كانت تُنجز في شهر رمضان”، لكن ما الذي تغيّر حتى تحوّل العمل في شهر رمضان والمواعيد مؤجّلة إلى ما بعد هذا الشهر؟
ويضيف أن التسويق الإعلامي لشهر رمضان في جانبه الاستهلاكي، أدى إلى توجيه الصائم نحو الجانب “الرغباتي، على حساب قيمة العمل والجوانب الروحية من الصيام، وهي العبادة التي نجدها في كل الديانات”.
..ومبررا للتراخي أيضا
كما تحول الصوم في المجتمع إلى مبرّر للتراخي، بحجة التعب والصعوبات في العمل، معتبرا أن الجزائري، أصبح يعمل على خلق مبررات لتأجيل أشغاله، بما في ذلك الخاصة والعائلية في بعض الأحيان، إلى ما بعد شهر رمضان.
حيث يلجأ الكثير إلى اختصار مفهوم العبادة المرتبطة بشهر الصيام، في اللجوء إلى الانزواء، بعيدا عن الناس حتى يصح صيامهم، وهي نظرة خاطئة بلا شك.
ويرى الباحث في علم الاجتماع، أن ظاهرة تأجيل المواعيد إلى ما بعد شهر رمضان، وحتى إلى ما بعد ساعات الإفطار تصرف سلبي، يتطلب خلق محفزات للعامل خلال شهر رمضان، وتطبيق مواقيت عمل إيجابية، تساعد على تجاوز المبرّرات التي يسوّقها البعض، لتأجيل أعمالهم إلى ما بعد شهر الصيام.