فيلم “la maquisarde” لنورا حمدي… السينما صوت المقاومات وذاكرتهنّ المثقلة بالشجن

فيلم “la maquisarde” لنورا حمدي… السينما صوت المقاومات وذاكرتهنّ المثقلة بالشجن

السينما ذاكرة، السينما ذاكرة الشعوب وحكاياتها وقصصها، السينما ذاكرتها وصوتها المكتوم، إليهنّ أنجزت نورا حمدي روايتها “المقاومة” التي حولتها إلى فيلم روائي بنفس العنوان، وهو من بطولة الممثلتين سوسن عباس وايميلي فافر بيرتين، فيلم يعود إلى أحداث حرب 1956 في منطقة القبائل.

البداية بمشهد علوي لغابة كثيفة الأشجار مع صوت لتسارع أقدام يصنع موسيقى بداية العرض، يضيق مجال التصوير وامتداده لتركز الكاميرا على امرأتين تحملان ملابس وتجريان وسط الغابة إلى حدّ أن يصلا إلى رجل ملقى مصاب والدماء تلوّن التربة بالأحمر. تبدأ الأحداث من “غابة سيدي علي بوناب”، وتحمل الجمهور إلى العام 1956 وأحداث حرب التحرير، الحرب الشرسة التي ضربت فيها فرنسا بشدّة لتكتم الأصوات المنادية بجزائر “حرة ومستقلة وديمقراطية”.

وتتصاعد حركة المقاومين، وسط الغابة، مع حديث عن تزويج الشابة نايلة بحبيبها “المقاوم”، تحدث الجلبة وموسيقى الحرب ليجد المتفرج نفسه أمام خوف نايلة وهربها إلى الغابة بعد أن هاجم الفرنسيون القرية وهدموا أغلب المنازل.

تهرب الشابة إلى الغابة وهناك تصبح جزءا من المقاومين الذين اختاروا الغابة والجبل.

أحداث الفيلم تدور في غابة سيدي علي بوناب التي تقع في أقصى غرب ولاية “تيزي وزو” على حدود ولاية “بومرداس” وكانت المنطقة تسمى أثناء فترة الاستعمار “Camp du Maréchal (مخيم الماريشال) الذي أصبح معتقلا للنساء أثناء حرب التحرير، المعارك في الفيلم تنقل القليل مما عاشته مناطق “تادمايت” و”لعزيب” و”نزعموم” و”بوريما” و”ايغيل مسالة” أثناء حرب 1956″.

الفيلم روائي توثيقي، ولد من حكاية حقيقية، حاولت المخرجة الاقتراب فيها من الواقع والتصوير في الأماكن التي تحدثت عنها بطلة الفيلم، الفيلم عنوان لذاكرة جزائرية لا تموت، ذاكرة حاول الاستعمار طمسها لكنها قاومت وظلت إلى حدّ اليوم، الفيلم انتصار للإنسان الباحث عن حريته في كل شبر من البسيطة، هو رسالة تنحاز للإنسان وحقه في تقرير مصيره، “صحيح أنني مواطنة فرنسية – جزائرية، لكن الحرب الفرنسية الجزائرية يجب ألا تنسى ويجب أن نحافظ على تلك الذاكرة للأجيال القادمة” كما قالت مخرجة الفيلم.

 

المرأة رصاصة في قلب النسيان

هنّ الذاكرة المنسية، هنّ الصادقات الحالمات بجزائر حرة، هنّ اللواتي اغتصبن وقتلن ودفن في حفر جماعية ونسيتهنّ أغلب الكتب والمؤرخين وتناستهم الدولة الفرنسية، هنّ النساء اللواتي انحزن إلى الجزائر ودفعن ثمن حياتهنّ لأجل استقلالها.

كلّ منهن قاومت بطريقتها، هناك من عالجت المقاومين الرابضين في الجبل، وهناك من رفضت الوشاية بأبناء بلدها وأبناء مدينتها، وأخرى دفعت بأبنائها إلى قلب الغابة ليصطادوا الجنود الفرنسيين وتوجد التي حملت السلاح وقاتلت كما المقاومين كما هو شأن بطلة الفيلم نائلة (سوسن عباس)، وتوجد المدافعات عن حق المرأة الجزائرية وحقوق الانسان عموما وهنّ من جنسية فرنسية كما الطبيبة سوزان Emilie favre-bertin وكلّهن وإن اختلفت أدوارهنّ مقاومات من أجل الاستقلال وقتلتهن بنادق الجنود الفرنسيين وطمست ذكراهنّ ووجودهنّ في مقابر جماعية.

الفيلم مقتبس عن رواية “المقاومة” والرواية كما تقول المخرجة والكاتبة نورا حمدي في بداية الفيلم “إلى أمي إلى النساء الجزائريات، إلى ذاكرة المرأة المقاومة، إلى كلّ المنسيات، إليكنّ الفيلم”. وفي تصريح لها أكدت المخرجة أنّ الفيلم الذي كان رواية هو “قصة حقيقية، هي قصة أو شعور بسرّ عظيم كانت تخفيه أمّي وحين تحدّثت أمي بالسر وانزاح الوجع الذي كتمته لأعوام قررت كتابة كل ما قالته، قررت العودة إلى الجزائر إلى القرية أو بقاياها، هناك تعرفت على أحد الأقرباء وهناك وجدت بقايا المعتقل الذي احتجزت فيه، وأخذت على عاتقي كتابة ذاكرة كادت تٌنسى وإحياء دور المرأة الجزائرية التي قاومت المستعمر الفرنسي وساندت حركة التحرر الجزائرية، من ذكريات أمي ولدت الرواية ثمّ الفيلم”.

تتبع الكاميرا هروب نايلة من القرية إلى الغابة، ترافق لحظات تعلمها لاستعمال المسدس، ثمّ خوض غمار المعركة قبل اعتقالها، في المعتقل نسوة كثيرات، في تلك الغرفة الضيقة ذات الجدران الصلبة والنوافذ الحديدية تبقى وحيدة مع ذاتها، تحدثها عن المقاومة وعن الحرب، قبل أن تؤنس وحدتها الطبيبة سوزان التي تعرض جسدها للاغتصاب بسبب مداواتها للمقاومين، في الغرفة الضيقة تتحادثان، كل تفتح خزانة ذكرياتها لتحدث الأخرى عن وجعها وكل تقدم أسبابها للمقاومة، فالجزائرية تحلم بجزائر حرة ومستقلة والفرنسية تريد ترسيخ فكرة حقّ الشعوب في تقرير مصيرها، وبين شجن الذكريات، تكون اعتداءات الجنود على الفكرة والجسد، كلّ ذلك الوجع خزنته “الأم” في ذاكرتها وكتمته قبل أن تبوح به إلى نورا حمدي التي وثقت كل تلك الحكايات لتعيد ردّ الاعتبار إلى نسوة ضحين لأجل الجزائر، لتعيد ذكرياتهنّ وتقول للعالم إنّ المرأة عنوان للمقاومة وكثيرات أكلتهنّ حرب التحرير، ها هي السينما تعيد إليهنّ الحياة.

ب/ص