بات فيلم “أبو ليلى” للمخرج أمين سيدي بومدين، جاهزا للعرض في مختلف قاعات السينما، وكانت البداية، مساء الأحد، بقاعة سينماتيك الجزائر بحضور المخرج.
ويعدّ “أبو ليلى” واحدا من أهم الأفلام الجزائرية خلال العقدين الأخيرين، ويمثّل حالة خاصة واستثنائية في مقاربة تيمة العشرية السوداء عبر الغوص في نفسيات شخوص العمل والتأثيرات النفسية للإرهاب وأبعادها السلبية على حياتهم..
فيلم يعالج موضوع الإرهاب بكثير من العمق والجنون والفانتازيا، والجميل فيه نَفَسٌ المخرج وهو كاتب السيناريو في الوقت ذاته، وقوة الأداء عند سليمان بن واري وإلياس سالم.
ويعود المخرج أمين سيدي بومدين في هذا العمل الروائي الأول له بعد الفيلمين القصيرين “الجزيرة” و “غدا الجزائر” إلى فترة التسعينيات، حيث كانت الجزائر تعيش في أجواء من العنف
والإرهاب الدموي جراء الأعمال الإجرامية التي زرعت الرعب خاصة في شمال البلد التي ميزتها الاعتداءات وأعمال العنف.
وقد حط هذا المخرج الموهوب كاميراته في أحد أحياء المدن الكبرى التي كانت ساحة للعنف ضد كل من يخالف الفكر الإرهابي، وكانت إشارة انطلاق الوقائع اغتيال الإرهابي “أبو ليلى” لأحد سكان الحي أمام منزله.
وإن كان موضوع الإرهاب طرح كثيرا في السينما الجزائرية، إلا أن سيدي بومدين تناوله من منظور جديد مركزا على التأثيرات
والصدمات النفسانية التي سببتها هذه الأعمال الدموية.
ومن خلال شخصيتي “سين” شرطي المرور وصديقه لطفي المنتمي لقوات مكافحة الإرهاب، يسافر الفيلم بالمشاهد من الشمال إلى الصحراء الكبرى ومن الازدحام إلى المساحات الشاسعة
والرمال الذهبية ومن الضجيج إلى السكون.
وإن كانت هذه الرحلة تكشف جمال الجنوب من خلال الصور إلا أنها رحلة عذاب ومعاناة بالنسبة للصديقين اللذين يبحثان عن المجرم المدعو “أبو ليلى” سفاح هارب من العدالة.
وتتطور الأحداث وتتشابك خلال رحلة العذاب التي تعيد إلى الواجهة تراكم الصدمات على بطل الفيلم سين (سليمان بن واري) الذي يرتمي في أحضان الجنون هروبا من هول ما مر به.
وقد رافق لطفي صديقه في هذه الرحلة المتعبة – حتى بالنسبة للمشاهد الذي تأثر بالحالة النفسية لـ “سين” − رغم كل الأخطار إيمانا منه أن تكون علاجا لصديقه.
وعمد المخرج لإبلاغ رسالته إلى دمج عدة أنواع وأساليب سينمائية مثل “الترلر” والخيال والإثارة وأيضا مشاهد الرعب التي أضفت جوا من الدموية وكذا المناظر السياحية الجميلة، لكن هذا الكوكتيل الغريب خدم المحتوى وجذب المشاهد، كما أبرز هذا العمل الجديد أيضا الحرفية والجدية والبحث المعمق الذي ينتهجه في أعماله المخرج وهو أيضا كاتب سيناريو “أبو ليلى”.
ونجح فعلا سيدي بومدين في تقديم عمل محترم من الناحية التقنية إلى جانب تحكمه الكبير في إدارة الممثلين خاصة سليمان بن وارث الذي كان ممتازا مع أنه يقف أمام ممثل كبير مثل إلياس سالم (لطفي).
وكان هذا الفيلم برمج للعرض الأولي في الجزائر في أفريل 2020 إلا أن الموعد تأخر بسب الحالة الوبائية.
وعرف الفيلم اقبالا كبيرا في الخارج، حيث شارك في عدة مهرجانات دولية وتحصل على عدة جوائز منها جائزة النقد بمهرجان “دا” السينمائي لبرشلونة بإسبانيا، كما شارك في 2019 في الدورة 72 لمهرجان كان السينمائي، حيث عرض في خانة “أسبوع النقد”، وعرض كذلك في مهرجانات بالبوسنة وتونس
وإيطاليا ومصر وفاز الممثل والمخرج الجزائري إلياس سالم بجائزة أحسن ممثل عن دوره في الفيلم في الدورة الـ 30 من أيام قرطاج السينمائية 2019.
كما وزع الفيلم في القاعات بفرنسا في 2020 ونال جائزة “جيرار فرو كوتاز” لكونه أحسن فيلم خرج في قاعات السينما في 2020.
وشارك في أداء الأدوار الرئيسية في هذا الفيلم الذي ساهم في إنتاجه المركز الجزائري لتطوير السينما وصندوق “فداتيك”، إلى جانب شركة تالة لياسين بوعزيز كل من عزوز عبد القادر
ومريم مجقان وحسين مختاري وفؤاد ميجيراغا.
وكان التصوير المميز من توقيع الياباني كانامي أونوياما
والديكور لحميد بوغارة. وكلف هذا الفيلم حسب المنتج ياسين بوعزيز سبع مائة ألف يورو.
ب\ص