الشيطان… كل شر في العالم فهو السبب فيه، ولكن ينحصر شره في ستة أجناس، لا يزال بابنِ آدمَ حتى ينال منه واحدًا منها أو أكثر:
الشر الأول: شر الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله، فإذا ظفر به بذلك من بني آدم بَرَدَ أنينه، واستراح من تعبه معه… فإن يأس منه… نقله إلى:
المرتبة الثانية: وهي البدعة وهي أحبُّ إليه من الفسوق والمعاصي؛ لأن ضررها في نفس الدين وهو ضرر متعدٍّ… فإن أعجزه من هذه المرتبة… نقله إلى:
المرتبة الثالثة: وهي الكبائر على اختلاف أنواعها… فإن عجز الشيطان عن هذه المرتبة، نقله إلى:
المرتبة الرابعة: وهي الصغائر التي إذا اجتمعت فربما أهلكت صاحبها… فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة، نقله إلى:
المرتبة الخامسة: وهي إشغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب، بل عقابها فوات الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها، فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة… نقله إلى:
المرتبة السادسة: وهو أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه؛ ليُزيحَ عنه الفضيلة ويفوته ثواب العمل الفاضل… وقلَّ من ينتبه لهذا من الناس… وهذا لا يُتوَصَّلُ إلى معرفته إلا بنور من الله يقذفه في قلب العبد، يكون سببه تجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله، وأحبها إليه، وأرضاها له، وأعمِّها نصيحة لله تعالى ولرسوله ولكتابه ولعباده المؤمنين. فإذا أعجزه العبد من هذه المراتب الست… سلَّط عليه حزبه من الإنس والجن بأنواع من الأذى والتكفير له، والتضليل والتبديع والتحذير منه، ليُشوِّش عليه قلبه، ويمنع الناس من الانتفاع به.
ابن القيم