وهل زالت عن أحد قط نعمة إلا بشؤم معصيته؛ فإن الله إذا أنعم على عبد بنعمة حفِظها عليه ولا يغيِّرها عنه، حتى يكون هو الساعي في تغييرها عن نفسه: ” إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ” الرعد: 11. ومن تأمل ما قصَّ الله تعالى في كتابه من أحوال الأمم الذين أزال نعمَه عنهم، وجد سبب ذلك جميعه إنما هو مخالفة أمره وعصيان رسله، وكذلك من نظر في أحوال أهل عصره، وما أزال الله عنهم من نعمه، وجد ذلك كله من سوء عواقب الذنوب؛ كما قيل: إذا كنتَ في نعمة فارْعَها — فإن المعاصي تزيل النِّعَمْ.
فما حُفظت نعمة الله بشيء قط مثل طاعته، ولا حصلت الزيادة بمثل شكره، ولا زالت عن العبد بمثل معصيته لربه؛ فإنها نار النعم التي تعمل فيها كما تعمل النار في الحطب اليابس، ومن سافر بفكره في أحوال العالم، استغنى عن تعريف غيره له.
ابن القيم