سبحان الله… كم بكت في تنعم الظالم عينُ أرملة، واحترقت كبِدُ يتيم، وجرت دمعة مسكين: ” كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُون ” المرسلات: 46، ” وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ” ص: 88… لا تحتقر دعاء المظلوم فَشَرَرُ قلبه محمولٌ بعجيج صوته إلى سقف بيتك، وَيْحَكَ نبالُ أدعيتِه مصيبةٌ وإن تأخر الوقت، قوسُه قلبُه المقروح، ووترُه سواد الليل، احذر عداوة من ينام وطرْفُه باكٍ، يقلِّب وجهه نحو السماء، يرمي سهامًا ما لها غرض سوى الأحشاء منك.
الحذر من أمرين لهما عواقب سوء:
أحدهما: رد الحق لمخالفته هواك؛ فإنك تُعاقَب بتقليب القلب، وردِّ ما يرد عليك من الحق رأسًا، ولا تقبله إلا إذا برز في قالب هواك؛ قال تعالى: ” وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ” الأنعام: 110، فعاقبهم على ردِّ الحق أول مرة بأن قلَّب أفئدتهم وأبصارهم بعد ذلك.
والثاني: التهاون بالأمر إذا حضر وقته؛ فإنك إن تهاونتَ به ثبَّطك الله وأقعدك عن مراضيه وأوامره عقوبةً لك؛ قال تعالى: ” فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ” التوبة: 83، فمَن سلِم من هاتين الآفتين والبَلِيَّتين العظيمتين، فلْتَهْنِه السلامة.
ابن القيم