إن ذُكر للبلاء صبر فذاك صبر أيوب عليه السلام؛ مضرب مثل، وسلوة مبتلى، ورجاء مكروب، وذكرى عابد، ورحمة أرحم الراحمين. ذاك ما أخبر عنه الله سبحانه بقوله: ” إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ” ص: 44. فكيف كان حاله؟ وكيف رُفع بلاؤه؟ قدّر الله بحكمته ورحمته على نبيه أيوب عليه السلام من البلاء ما أذهب عنه أهله وماله وعافية بدنه؛ فلم يبق له من أعضائه صحيحٌ إلا قلبَه ولسانَه، وقد كان من أنعم الناس عيشاً. وهو مع ذلك الفقد والابتلاء صابر، محتسب، راض عن ربه، ذاكر له صبحه ومساءه. واشتدت معاقد البلاء عليه وتنوعت، وزاد شدّتَه شدّةً تطاولُ السنين، وتسلطُ الشيطان عليه بالنصب والعذاب الحسي والنفسي، وتنكّر الناس، ولم يبق له إلا زوجته المؤمنة التي كانت ترعاه وتعرف سالف معروفه عليها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ أَيُّوبَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِثَ فِي بَلائِهِ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً؛ فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ إِلا رَجُلَيْنِ مِنْ إِخْوَانِهِ كَانَا مِنْ أَخَصِّ إِخْوَانِهِ؛ كَانَا يَغْدُوَانِ إِلَيْهِ وَيَرُوحَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: تَعْلَمُ! وَاللَّهِ لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا مَا أَذْنَبَهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ! قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: مُنْذُ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ اللَّهُ؛ فَيَكْشِفَ مَا بِهِ؟! ” رواه ابن حبان. وتلك سنة الله الغالبة في أصفيائه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة ” رواه الترمذي وقال: حسن صحيح . ففي بلاء أيوب عليه السلام سلوة لكل مبتلى، وبيان لمنهج التعامل مع البلاء؛ وذلك أن المؤمن منهي عن تمني البلاء. وإن وقع فليس له إلا الصبر بأن يحبس القلب عن الجزع، واللسان عن الشكوى، والجوارح عن إظهار التسخط. وليثق بقرب الفرج له، وليلحَّ على ربه بالدعاء وطلب الفرج؛ فاستخراج عبودية الدعاء من أجل مقاصد البلاء. قال أبو الدرداء: ” من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له، ومن يكثر الدعاء يوشك أن يستجاب له “.
من موقع إسلام أون لاين