لقد كان السّلف الصّالح ومن سَارَ على دَرْبهم وطريقهم يبادِرُون إلى استغْلال أوقاتهم؛ لعلمهم بتسابق الأزمنة، وسرعة الدهر في الانقضاء، وتلك أمثلة عديدة لنماذج في الحرص على الأوقات؛ لندرك حجم البون الشاسع بيننا وبينهم،. فكان الحسن البصري رحمه الله يقول عن حال السّلف: ” أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد حرصاً منكم على دراهمكم ودنانيركم”. ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: ” ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي”. هذه أعظم مصيبة على الإنسان أن يمر عليه الوقت ولم يزدد عملاً، والمصيبة الأخرى: أن يمر الوقت وأنت في زيادة معصية، وصحائفك قد تسود بالسيئات. يقول ابن عمر كما عند البخاري “إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ”. وعن عبد الله بن مسعود، أنه كان يقول: ” إِنِّي لَأَمْقُتُ الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ فَارِغًا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا وَلَا عَمَلِ الْآخِرَةِ”.
وكان ابن عقيل رحمه الله يقول: إنه لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا مستطرح على السرير، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في الثمانين أشد مما كنت أجد وأنا في العشرين. إِنّنا بحاجة ماسة إلى أن يتعلّم شبابنا وفتياتنا كيف يديرون أوقاتهم، وكيف يستغلون كل لحظة في خدمة أهداف دينهم وأهداف دنياهم، بما يخدم الأمة، ينبغي أن نربيهم على الهمّة العالية، والصحبة النقية، ولا شكّ أنّ الاستفادة بالوقت لها أثر عظيم في حياة الأُمم والأفراد، فيوم أن اهتمت مجتمعات الأمّة وأفرادها بأوقاتهم، وقاموا يستخدمونها فيما يرضي الله تعالى تقدّموا ونجحوا، واستطاعوا أن يبنوا حضارة ونهضة حقيقية، ويوم أن كان الواحد منهم “وقته” أحب إليه من الطعام والشراب، وحرصه على وقته أشد من حرصه على الدرهم والدينار، سادوا الدنيا كلها، وقصدهم الغرب والشرق؛ تعلمًا منهم.
موقع إسلام أون لاين