فلسطين قضيتنا

  فلسطين قضيتنا

 

إذا كانت هناك قضيَّة تستحقُّ استنهاض الهِمَم وشحْذ العزائم، والتفاف الأمَّة بكلِّ حزم، فهي قضيَّة فِلَسْطين؛ لأنَّها في نظر المسلمين مسألةُ دين وعقيدة، إلى جانب التَّاريخ والجغرافيا ومعاني الأخوَّة الإيمانيَّة والقربى، بالإضافة إلى البعد الإنساني ورفض الظلم والعدوان، ومِن أنكرِ المنكر تقزيمها لتكون مجرَّد قضيَّة فلسطينيَّة داخليَّة، أو عربيَّة قوميَّة، بيت المقدس هي أرض الرِّباط، وعاصمة النبوَّات الرافعة للواء التَّوحيد، مباركة بذاتِها وأكنافها ومرابطيها، وهي الَّتي ستشهد المعركة الفاصلة بين المسلمين واليهود، ثمَّ المعركة النِّهائيَّة بين جند الإسلام بقيادة سيِّدنا المسيح عليه السَّلام والدَّجَّال رأس الفتنة والباطل، لتنتهِيَ بمقتله واندِحار جيوش الكفر، وبسط رسالة التَّوحيد والحقِّ والفضيلة على أرض الله تعالى، انطلاقًا من اللد “بفلسطين المحتلَّة حاليًّا” الذي يقتل فيه الأعور الكافر، هذا ما أخْبر به مَن لا ينطِق عن الهوى صلَّى الله عليه وسلَّم.

وتحرير فلسطين وعاصمتها المقدَّسة ومسجدها المبارك، ورجوعها للسِّيادة الإسلاميَّة مسألةٌ لا يشكُّ فيها مَن يؤمن بالقرآن والسنَّة، لكن المسألة هي إعْداد جيل النَّصر المنشود، هذا ما يُنادي كلّ مسلم، وما يَجب الالتفات إليه بجدّيَّة وعملٍ دؤوب مدْروس، طويل المدى، يُصاحبه النَّفَس الطَّويل ورصيد الأمَل والثِّقة الكاملة في الله تعالى ووعده الَّذي لا يخلف. إنَّ منهج إعداد جيل النَّصر يقتضي إفراغ القلوب من الشَّهوات المحرَّمة، وملأها بحبِّ الله والتضحية في سبيل مرضاته، وإفراغ العقول من الشُّبهات والتصوُّرات الخاطئة، وملأَها بالرؤية الإسلاميَّة الأصيلة، الَّتي تربط قضيَّة فلسطين بالعقيدة، لا بالسياسة وحدَها، وتجعل من العمل لأجلها طاعةً لله تعالى، سواء كان إغاثة أو دعمًا إعلاميًّا أو إشهارًا يصوِّر معاناة الفلسطينيين المحاصرين في غزَّة، والمضطهدين في الضفة الغربيَّة. إنَّها قضيَّة دين؛ أي إنَّنا محاسبون على عملنا لها أو تقاعُسنا عنها يومَ يقوم الناس لربِّ العالمين، فكيف يطيب لنا العيش وهم هناك يذودون عن ثالثِ المسْجدين، بصدور عارية، ويتصدَّون للاحتِلال بالحجارة.

إن ما يجري في فلسطين المحتلَّة لهو امتحان شديد لأمَّة الإسلام؛ لأن القدس والمسجد الأقصى والبقاع الطاهرة هناك ليست لأهل فلسطين فقط، ولا للعرب أيضًا، بل هي لكلِّ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فلا يملك أحدٌ كائنًا مَن كان أن يتنازل عن شبرٍ من أرضها لليهود الغاصبين؛ فهي أرض المسلمين أجمع، تُفدَى بالأرواح والمُهَج. وليعلم أبناؤُنا أنَّ هذه ليست أوَّل بليَّة تنزل بالأمَّة وتبدو ماحقة، فقد مرَّت بها غزوة الأحزاب، وكان المشركون ومعهم اليهود والمنافقون قد أعدُّوا لاستئصال الإسلام، فمرَّت بالصَّحابة أيَّام عصيبة شاقَّة، ثمَّ رجع المهاجمون منهَزمين بفضل الله وثبات الصفِّ المؤمن، ثمَّ كانت الردَّة بعد وفاة الرَّسول عليْه الصَّلاة والسَّلام وسحَقها المسلمون بقيادة الصدّيق رضي الله عنْه ومرَّت بالأمَّة كارثة التَّتار المتوحِّشين، الذين خرَّبوا البلاد وأطاحوا بالخلافة، لكنَّ الأمَّة صمدت بفضل استِمْساكِها بدينها، فحدثَ العجب: لم يستطع الغزاة القضاء عليْها بل انتهى الأمر إلى دخولهم في دينِها، ليسطِّر التَّاريخ هذه الأعجوبة الَّتي لا يقْدِر عليْها إلا دين الله الحقّ، وحين جاء التَّتار من الشَّرق هجم على بلادنا الصَّليبيُّون من الغرب، واحتلُّوا أجزاءً من المشرق وأقاموا بالشَّام إمارات، واستولَوْا على القدس وبقيت تحت أيديهم 91 سنة، ثمَّ افتكَّها المسلمون منهم بالجِهاد، بعد أن ظنَّ الصليبيُّون أنَّها أصبحت خالصةً لهم إلى الأبد، كما يظنُّ اليهود اليوم. هذه سنَّة الله التي لا تتخلَّف، فهل نسير وفْقها ونفهم معاني الابتِلاء والصَّبر والثبات والتَّضحية.