لا نريد الخوضَ في أسباب كارثة فلسطين ومأساتها الدامية، التي فتحتْ جروحًا عميقة في قلْب كل عربي ومسلم يشعر بالمأساة العظيمة، ويُدرِك الخطر الجسيم الذي حاق بالعرب والمسلمين من جرَّاء اغتصاب دويلة العصابات لها، ودور الدول الاستعمارية الحاقِدة على المسلمين في ذلك، وتفكُّك العرب والمسلمين وضعفهم، وأسباب عديدة، وعوامل كثيرة، ليس المجال حصرَها. وقد كانتْ تلك المأساةُ الرهيبة دافعًا للعمل الجدِّي لاسترداد فلسطين، وحافزًا قويًّا لتلافي الأخطاء السابقة، والاستفادة من النكسة بتجنُّب الأسباب المؤدية إلى الفشل، وفي التاريخ أمثلةٌ كثيرة على ذلك.
وإذا كان واجبُ العرب والمسلمين هو العملَ والاستعداد لاسترداد فلسطين، ورفْع ذلك العار الذي لَحِق بهم في الهزيمة والتفريط. فإنَّ الواقع ينبغي أن يطابق الواجِب، ومع الأسف أنَّ هذا الاستعداد لم يواكبْه عملٌ جاد، ولم يكن الشعور منهم متفقًا وما يتطلبه العملُ المنتظَر من خطورة واستعداد. وبكلِّ أسى: إنَّ هذه ” اللامبالاة ” قد أفقدتِ المسلمين والعربَ في قديم تاريخهم وحديثه الكثير جدًّا، وجرَّت عليهم المآسي والدموع الغزيرة، وصاروا يندبون حظَّهم العاثر، ويلومون أنفسهم بعد فوات الأوان. فَقَدَ المسلمون الأندلس بسبب النزاع والمطامع الفردية، وعدم الشُّعور بالواجب، وأضاعوا ما كان لهم عليه سلطان من شواطئِ أوروبا الجنوبيَّة بعدَ أن اتحد الإفرنج ضدهم، ونكبوا في فلسطين، لأسباب عديدة.. وما زالتْ ماثلةً أمامهم المآسي الدامية نتيجةَ عدم التقدير للموقف، والشعور بالمسؤولية، وقيام المنازعات بينهم.
فقضية كشمير وأرتيريا، والجزء الشمالي من الصومال، وقضية فلسطين، وغيرها كلها قضايا تتطلَّب الشعور بالمسؤولية من جميع المسلِمين، وبذْل الجهود المخلِصة الصادقة إزاءَها؛ ليعودَ الحقُّ إلى نصابه فيوحِّدوا جهودَهم لاستعادة الحقِّ السليب إلى أهله، فعدوهم يجمع قواه، ويُكتِّل صفوفه ضدَّهم، يدفعه لذلك أحقادٌ قديمة، ومطامع حديثه، ويتسلَّل من الثغرات التي يجدها بين المسلمين؛ ليشتتَ شملهم ويفرِّق كلمتهم، ويضرب بعضَهم ببعض؛ لينال بغيته، ويصل إلى هدفه. إنَّنا لا نريد أن نيأسَ، ولكن يجب ألاَّ نخلدَ للكسل والخمول، بينما عدوُّنا يعمل في دأب ضدَّنا، وضدَّ معتقداتنا وحقوقنا وآمالنا.