لقد أتى على مسلمي فلسطين قرابة قرن من الزمن وهم يدافعون بأموالهم وأنفسهم عن البلاد المقدسة التي كُتِب تاريخها بدماء الصحابة وأتباعِهم المجاهدين، تتابعت حكومات الإسلام في أرضها، وتعالت رايات الإيمان في ساحاتها، احتلها الصليبيون في آخر القرن الهجري الخامس عام 492 للهجرة، لكنَّ المسلمين وقفوا لهم بالمرصاد، كان العلماء يحثونهم على الجهاد، وكان الأغنياء يبذلون أموالهم في الإعداد، وكان الحكام يقودون المجاهدين لنصرة دين رب العباد، فجاهدوا واجتهدوا في إخراج النصارى من الأرض المقدسة، ولم يتمكنوا من إخراجهم إلا بعد تضحيات كبيرة، فقد كان الصليبيون يتفوقون على المسلمين في العدد والعتاد، وكانت إمداداتهم تأتي باستمرار من داخل أوروبا، فقد كانوا يعتبرونها حروبًا مقدَّسة، ودعوا جميع النصارى للمشاركة، فوقعت معارك طاحنة بين المسلمين والحملات الصليبية، هُزِم المسلمون في بعض الوقائع، وتشتَّت شمل بعض القادة في بعض المعارك، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا، ولم يستسلموا مع كثرة القتل والدمار الذي خلَّفَتْه الحملات الصليبية المتوحشة، واستمر المسلمون في الجهاد قرابة تسعين سنة حتى حقق الله لهم النصر في معركة حِطِّين الفاصلة عام 583 هجرية.
وتطهَّر المسجد الأقصى من النصارى، الذين كانوا يظنون أنهم لن يخرجوا من أرض فلسطين أبدًا، قال الله ” وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ” آل عمران: 126. وقال الله ” قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ” آل عمران: 26. وقال الله تعالى ” وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ” آل عمران: 140، فبعد أن كان المسلمون قوةً عظمى، ضعفوا وتفرَّقوا، وتمالأ الكفار عليهم مرة أخرى، وتآمر الصليبيون واليهود جميعًا لاحتلال المسجد الأقصى، ومكَّن النصارى البريطانيون لليهود إقامةَ دولةٍ لهم في أرض فلسطين، في جريمة تعتبر من أعظم جرائم التاريخ؛ حيث قاموا بإخراج شعب من أرضه وإقامة شعب آخر مكانه!. وأيَّد النصارى البريطانيون والأمريكيون اليهود في فلسطين، وشجعوهم على ارتكاب المجازر الشنيعة، فقتلوا الرجال والنساء والأطفال، وأحرقوا القرى، وأفسدوا النَّسْل والزرع، ولا يزال الصهاينة مستمرين في قتل المسلمين الفلسطينيين وأسْرِهِم، وإيذائهم والتضييقِ عليهم، ولا يزالون ينشئون المستوطنات في أرض المسلمين، ويعتدون على المصلين في المسجد الأقصى في كل حين، بتشجيع ورضا من الدول الظالمة، فكم أسالوا من دماء المسلمين شبابًا وشيوخًا وأطفالًا! وكم في سجونهم من المستضعفين؟! يُدنِّسون المقدسات، ويعقدون لمخادعة العرب المؤتمرات، وقد أخبرنا الله أنهم كاذبون مخادعون، وأنهم ينقضون العهود ” أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ” البقرة: 100.
من موقع الالوكة الإسلامي