فلسطين المقاومة…

      فلسطين المقاومة…

يُصوِّب العالم هذه الأيام جُلَّ أخباره واهتماماته نحو فلسطين، وبالتحديد غزة ، كل القنوات تقف مندهشة مما يجري هناك، اندهاشًا متفرِّقًا بين رؤية خِذلان أصحاب القضية لقضيتهم، أو متعجِّبًا من صمود وعبقرية المجاهدين والمقاومين هناك، وحدهم الرجال على أرض غزة من يرسم للعالم هذه المعالم، وحدهم جعلوا كل الأرقام ممكنة، وكل اللحظات متسلسلة. فلسطين أيها الأكارم ليست وليدة اللحظة، وغزة ليست متفاجئة من العدوان الإجرامي، إنها القضية التي تقف كل الاعتبارات عندها، ويقف الزمن ساعة في محيطها، إنها ليست مسألة وقت تنتهي بانسحاب، أو مفاوضات، أو انصراف إعلام، أو تسلُّط خائن أو مُستبد، كلا؛ ففلسطين قضية أكبر من ذلك كله. “إني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين؛ فهي ليست ملك يميني، بل ملك للأمة الإسلامية”، بهذا النص الأسطوري للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني كانت أهم ركيزة وسياسة ورؤية واضحة جليَّة للقضية وللأرض الفلسطينية، بجعلها كما الأصل قضية جميع المسلمين، وعقيدتهم وأرضهم، لا تفرِّقها سياسة.

وفي هذه القضية وهذه الحرب انكشف غطاء أذهل الجميع، وكشف لنا بإبهار حجم العمل الميداني والتربية الحقيقية الجهادية، المتمثلة في الإعداد والاعتماد الذاتي، والتربية النفسية والعقدية الصحيحة السليمة للمجاهدين والمقاومين بلا غُلوٍّ أو تناحر، وبتطور كبير واستفادة من العقول والعلم وأهله في جميع التخصُّصات، فأنتجت لنا قوة أوقفت العدو وأربكت الصهاينة ومن يدعمهم ومن هو معهم قلبًا أو قالبًا، وجعلت لنا المقاومة صورة حيَّة في إيقاظ النفوس المتعلِّقة بقوة غيرها وتمسُّكها بعجزها وضعفها، فرأى العالم ما تصنع وما تفعل، ففلسطين لا تنتظر ولا تنظر إلى ضعفنا الذي نحاول أن نُخفيَه خلْف بيانات أو توقيعات أو تنديدات؛ فهي تعلم أن هذا ما يمكن أن نُقدِّمه مؤقَّتًا؛ لذا فقد تجاوزت هذه المرحلة، وتجاوزت مرحلة النظَر إلى الوقت الذي فيه الانتظار لمن يُسعفها من محنتِها، ويُنقذها من ضعفها، تجاوزت ذلك في مواجهة العدوِّ، واستلهمت في نضالها كلمات الخليفة الرشيد: “الجواب ما تراه لا ما تسمعه”. فلسطين أرادت أن تخبر العالم أجمع وليس المسلمين فقط أن العزَّة تبدأ من فلسطين، وأن الشجاعة تُصنَع هناك، وأن النَّصر من عند الله لعباده المجاهدين الصادقين، ولَينصرنَّ اللهُ مَن يَنصرُه، وإلى الله وجَّهنا أمرَنا، هو مولانا وعليه التكلان.