فلسطين … أرض الشموخ والفداء

فلسطين … أرض الشموخ والفداء

مع تعدُّد المصائب وتعدُّد الفواجع تبقى فلسطين قضيتنا ومصيبتنا الأساس التي لا ينبغي لنا تجاهلها ونسيانها، فلسطين تلك البلدة التي سالت من أجلها العيون، ورَخُصت في سبيلها المنون. فلسطين أُولَى القبلتين، وثالث المسجدين، ومَسْرَى نبيِّنا محمد الأمين صلى الله عليه وسلم. فلسطين من أجلها شدَّ الرجال عزائم الأبطال، وأحيَوْا في نفوسهم الحماسة والنضال. شعب فلسطين منذ سبعين عامًا وهو يعيش تحت وطأة الاحتلال، مساكنهم الملاجِئ والمخيَّمات، والملايين منهم يعيشون في التشريد والشَّتَات، شعب فلسطين حياته كلُّها خوف وتعذيب، اعتقال وتهديد، تهديم للبيوت، وإغلاق للمدارس. ومع الحصار الاقتصادي المفروض عليهم أُغْلِقت المخازن والمتاجر لتسُدَّ عنهم أبواب الرزق ووسائل الحياة، تجويع وبطالة، استخفاف وإهانة، استيلاء على الأراضي، وتحكُّم في مصادر المياه، محتلٌّ يُلاحِق مَن يشاء، ويتَّهم مَن يشاء، يقتل مَن يشاء، وينفي مَن يشاء، ثم يزعم أنه يريد السلام. لقد انكشفت عورة الدول الغربية، وبانت سوءتها عندما ادَّعت حقوق الإنسان، وهي تشاهد ما يجري على أرض الإسراء والمعراج راضية بذلك؛ بل داعمة لكلِّ ما يحصل من وحشية وإجرام، لقد كان من المتوقَّع أن الشعارات البرَّاقة التي يرفعها الغرب؛ مثل: حقوق الإنسان، والشرعية الدولية، والديمقراطية، سيكون الغرب جادًّا في عدم تجاوزها وتعدِّي حدودها.

لكن أحداث فلسطين الحالية كشفت زَيْفَ وعنصرية تلك الشعارات، وعلى رأسها شعار “حقوق الإنسان”. لا يخفى عليكم ما يمرُّ به إخواننا في فلسطين هذه الأيام، إنهم يعانون من ضرب الطائرات، وأزيز المدافع، مئات البيوت هُدِّمَت، عشرات الأنفس أُزهِقت، كم من نساء أُيِّمت! وكم من أطفال يُتِّمت! إنه ليس من عذرٍ لأحد اليوم يرى مقدَّساته تُنتَهك، ويرى أطفالاً يُقتَّلون، ونساء يُرَمَّلون، وشيوخًا يُعتَقلون، ثم لا ينتصر لإخوانه ولا يحزن لمصابهم. إن الذي ينظر إلى قضيتنا في فلسطين بمنظار القرآن لن يُخْدَع أبدًا؛ فالمولى سبحانه يقول في كتابه ” أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ” البقرة: 100، ويقول أيضًا ” وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ” المائدة: 64. إن مَن يتعامَل مع قضاياه على هدى القرآن فلن يضلَّ أبدًا؛ ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ” المائدة: 51، وقال سبحانه ” وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ” البقرة: 120، وقال أيضًا ” وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ” البقرة: 217. أيها الإخوة المرابِطون في أرض فلسطين المجاهِدة، أرض الشموخ والفداء، وأرض الجهاد والإباء، يا أهلنا في الأرض المباركة، عذرًا إن وجدتم من كثيرٍ من أبناء أمَّتكم التخاذُل والتثاقُل، لكن ثِقُوا أن قلوبنا معكم، والله ناصركم، إن أمل الأمة معقودٌ بعد الله عليكم، فاصبروا وصابِرُوا ورابِطُوا؛ فإن مع العسر يسرًا، إن مع اليسر يسرًا، لا تيئسوا من روح الله، فالنصر قادم بإذن الله تعالى ” وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ” الروم: 47.

من موقع الالوكة الإسلامي