قد ينزل البلاء بعباد الله الصالحين ليس لبغضهم، بل لمكانتهم عند الله؛ فيرفع لهم به الدرجات العلى من الجنة، ويخلد ذكرهم في الناس، ولإبراز شأنهم، وجعلهم قدوات ومنارات هدًى للناس؛ ولذا كان نصيب الأنبياء من البلاء والابتلاء أعظمه؛ قال صلى الله عليه وسلم: “أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلَى الناس على قدر دينهم، فمن ثخُن دينه اشتد بلاؤه، ومن ضعُف دينه ضعف بلاؤه، وإن الرجل لَيُصيبه البلاء حتى يمشي في الناس ما عليه خطيئة” رواه ابن ماجه. فليس كل بلاء نقمة، بل في حنايا المحن تأتي المنح الربانية والعطايا الرحمانية، فتنشرح لها صدور أهل الإيمان، حتى يجدوا أن الحرمان عين العطاء، فالله يريد للمؤمن طهارة في الدنيا بتكفير الذنوب، وإكرامًا في الآخرة؛ حيث يأتي وليس بينه وبين الله حجاب المعاصي والآثام؛ ففي حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة” رواه الترمذي. فالبلاء بكل صوره وأشكاله وموارده يهجم على الإنسان؛ ليستخرج منه جميل العطاء والبذل حال كونه على الإيمان والهدى، وإن موقف المؤمن من البلاء يتمثل في أربع مراتب:
– الرضا بالقضاء والقدر وإحسان الظن بالله؛ قال تعالى بعد ابتلاء البشر في عِرض سيد البشر صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ” النور: 11.
– الصبر مقام عظيم يجعل الله به الثواب الجزيل الذي ليس له عدٌّ ولا حد؛ قال تعالى: ” قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ” الزمر: 10.
– الحمد لله على ما قدَّر وأعطى؛ فربما كان هذا البلاء وسيلة لبلوغ منزلة لك عند الله؛ ففي الحديث: “إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله، ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في ولده، ثم صبَّره على ذلك، حتى يبلِّغَهُ المنزلة التي سبقت له من الله تعالى” رواه أبو داود.
– الدعاء صوت يحبه الله تعالى، ويكشف به كثيرًا من البلايا والمصائب والعثرات؛ قال تعالى: ” وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ” يونس: 107. اللهم ارفع عنا هذا الوباء، وسلمنا منه أولًا وآخرًا، وارزقنا فيه الصبر والرضا بما قدرت واخترت وقضيت.