فقه البلاء في زمن الوباء

  فقه البلاء في زمن الوباء

ففي ظل هذه الظروف التي نعيشها، وهذه المحن وهذا البلاء والوباء الذي حل بنا، نحتاج إلى فقه وفهم وعلم، لنثبُتَ فلا نَجْزع، ونؤجَرَ فلا نؤزَرَ، ونربح فلا نخسر، لذلك ستكون لنا لقاءات مع سلسلة من الدروس بعنوان: “فقه البلاء في زمن الوباء”، فما أحوجنا إلى فقه البلاء والابتلاء والبشرية كلها تعاني من هذا الوباء، لنجعل من المحنة منحة، ومن الضيق سعة، ومن الألم فرحًا، ومن الهم والغم سعادة وسرورًا.

وأول درس ينبغي أن نفقهَه ونتعَلمَه من هذه المحن، ومن هذه الشدة في ظل هذا الوباء: حقيقة هذه الدنيا، دار المحن والابتلاء، دار الغرور والفناء؛ حتى لا نغترَّ بها، وحتى لا ننشغل بها عن آخرتنا، وحتى لا نتخاصم ولا نتقاتل ولا نتباغض، ولا نتحاسد ولا نتفرق من أجلها. فبالأمس القريب كانت البشرية تعمل وتتحرك وتسافر شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، داخلًا وخارجًا، وكنت الشوارع مزدحمة، والأسواق ممتلئة، وجميع الأماكن مفتوحة في وجه مرتاديها ومحبيها، وبعد نزول البلاء، وحلول الوباء، عم السكون، وشُلَّتِ الحركة، وغاب الضجيج، وتوقف السفر، هذه هي الدنيا في تقلب مستمر، وفي تغير متواصل.

فلقد قدَّر الله سبحانه وهو الحكيم العليم اللطيف الخبير أن تكون هذه الحياة دار ابتلاء وامتحان، فلا أحد يسلَم فيها من آلام النفس، وأمراض البدن، وفِقدان الأحبة، وخسران المال، لا بَرٌّ ولا فاجر، ولا مؤمن ولا كافر؛ قال سبحانه: ” تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ” الملك: 1، 2، وقال عز وجل: ” وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ” البقرة: 155، بلاء يصيب القلوب بالخوف، والبطون بالجوع، والأموال بالنقص، والأنفس بالموت، والثمرات بالآفات، وكل هذه الأنواع من البلاء حاضرة في هذا الزمان، زمن الوباء؛ فهناك الآن خوف وهلع، الكل يخاف على نفسه وأهله من الإصابة بهذا الداء.

ولو سَلِمَ مِن مِحن الدنيا وأحزانها إنسانٌ لِصَلاحِهِ وعُلوِّ قدْره، لكان أوْلى الناس بذلك الأنبياءُ والمرسلون، ولكنهم الأسوة والقدوة لِكل مصاب؛ فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاءً؟ قال: ” الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسَب دينه، فإن كان دينُه صُلبًا اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتُلي على حسب دينه، فما يبرَح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة”. نسأل الله تعالى أن يكشف عنا السوء، ويرفع البلاء، ويصرف عنا الوباء، إنه سبحانه سميع الدعاء.