وبانقِضَاء يوم عرفةَ تتوالى الرَّحَمَاتُ والبركاتُ على هًذه الأمة الفَاضلة، فيحلُّ برحَالنَا يَوْمُ النحْر الأكبر: يومُ عيد الأضحى المُبارَك: فنستفتحُهُ بالتهْليل والتكْبير؛ والتحْميد والتسْبيح، ونُصَلي لله تعَالى فيه رَكْعَتَين متضَرعينَ إليه، ثم ننصتُ لخُطْبَتَي العيد تأسيًا بسُنة المُصْطَفى عليه السلامُ، ولنتذَكرْ في هذا المَقَام الذي اجْتمعَ فيه العيدُ والجُمُعَةُ، أَننَا مأمُورُون بتأديَة صلَاة العيد على جهَة السُّنية، وإقَامة شَعيرَة الجُمُعَة علَى جهَة الوُجُوب، ولا يُسْقطُ العيدُ الجُمُعَة، لقوله عليه الصلاةُ والسلامُ كما عندَ أبي دَاودَ وابن مَاجَهْ من حديث أبي هُرَيْرة بسَنَد صَحيح: ” قد اجتَمَعَ في يومكُمْ هذا عيدَان، فمَنْ شَاءَ أجْزَأَه من الجُمُعَة، وإنا مُجَمِّعُون”، فقَصدَ صلى الله عليه وسلم برُخْصَة التَّخلُّفِ عنِ الجُمُعَة أصْحَابَ العَوَالي، فَأَقيمُوا الشَّعيرَتَيْن معًا، يُجمَعْ لكُم أجْرُهُمَا جَمْعًا، ثم يتَقَرَّبُ المُضَحُّونَ المُوسِرُونَ بدمَاء الأَضَاحي الزَّاكيَة لرَبِّ العَالمينَ، مقتفينَ آثارَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، متذَكِّرينَ سنةَ أبي الأنبياء خَليل الرحْمن عَلَيه السلامُ، حينَمَا همَّ بذَبْح فلْذَة كَبده إسماعيلَ عليه السلامُ، ففداهُ الله بذبح عظيم، وأعلى ذكرَه في العالمينَ، فطُوبى لمنْ تقربَ إلى الله عز وجل بهذه القُرْبة العظيمَة، وهنيئا له هذه الشَّعيرَةُ الجَليلَةُ، وأما منْ تعَذرَ عليه القيامُ بهذا النسُك لقلة ذَات اليَد، فلا يَحْزَنْ ولا يبتئسْ، فقد ضَحتْ عنه أفضلُ يَد وأشرَفُها، إنها يدُ أكرَم مَبْعُوث: حبيب الحَق وأفضَل الخَلق محمد صلى الله عليه وسلم ، لما رواهُ أحمدُ وأصحَابُ السُّنَن عن أبي رَافع رَضيَ الله عنهُ أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ إذا ضَحى اشْتَرى كَبْشَيْن سمينيْن أقْرنَين أمْلَحَين، فإذا صَلى وخطَب الناسَ أُتيَ بأحدهمَا وهو قائمٌ في مصَلاهُ، فذبَحَه بنفسه بالمُدْية، ثُم يقولُ: ” اللهُم إنَّ هذا عنْ أُمتي جميعًا مِمنْ شهدَ لك بالتوحيد وشهدَ لي بالبلَاغ، ثم يُؤتَى بالآخَر فيذَبَحُه بنفسه ويقولُ: هذا عن مُحمد وآل مُحَمد، فيُطْعمُهُمَا جميعًا للمسَاكين، ويأْكُلُ هوَ وأهلُهُ منهمَا”، فلا تبتئْس أَخي المُسْلم إنْ كنتَ مُعْسرًا، فإن المُؤْمنَ المُوَحِّدَ يَبلغُ بنيته مَا لا يَبْلغُ بعَمَله.
الجزء الثاني من خطبة الجمعة من جامع الجزائر