إن بذل الصدقة للمحتاج من أعظم الإحسان؛ لأنها تشبع جائعا، أو تكسو عاريا، أو تعالج مريضا، أو تقضي دينا، أو تئوي مشردا، أو تكفل أرملة ويتيما. وكثير من الناس يحتقر قليل الصدقة فلا يبذله، فيستحيي أن يمد للفقير دنانير، ويخجل أن يقدم شيئا من طعام، أو قطعة من لباس أو أثاث. وكم منع قلة ما بيد الواحد من الإنفاق.. وكم من عازم على الصدقة نظر في محفظته فلم يجد إلا قليلا من مال فأحجم عن الصدقة، وكم بقي للواحد من غدائه وعشائه فاستقل أن يطعم به أحدا. مع أن اللقمة الواحدة تكسر حدة الجوع، وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه للصحابة رضي الله عنهم أن من الصدقة اللقمة واللقمتين، والتمرة والتمرتين.
بل عد ما هو أقل من ذلك في حديث عظيم يبين أهمية الصدقة، وأنها سبب للنجاة من النار ولو كانت قليلة، ففي حديث عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ” رواه الشيخان، وفي رواية لمسلم قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَلْيَفْعَلْ” وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لِيَتَّقِ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ” وفي حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: “يَا عَائِشَةُ، اسْتَتِرِي مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنَّهَا تَسُدُّ مِنَ الْجَائِعِ مَسَدَّهَا مِنَ الشَّبْعَانِ” رواه أحمد. وكل هذه الأحاديث في ذكر الصدقة بشق التمرة دليل على أن الصدقة سبب للوقاية من النار ولو كانت قليلة، وشق التمرة هو نصفها أو جانبها، وهو قليل جدا، ولكنه عند الله تعالى عظيم إذا قدمه صاحبه مخلصا فيه، بحيث ينجيه به من النار، ويستوجب له به الجنة.