إنَّ دوامَ ذِكر الله تعالى يُوجب الأمان من نِسيانه، فإن نِسيان الله تعالى للعبد يُوجب نسيانَ العبد نفسه، وهذا عين الشَّقاء في الدنيا والآخرة، قال تعالى ” وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ” الحشر: 19. وإذا نَسِي العبدُ نفسَه أعرض عن مصالحها ونسيَها، واشتغل عنها فهلكت وفسدت، كمَن له زَرع أو ماشيَة.. أو غير ذلك، ممَّا صلاحُه وفلاحُه بتعاهده والقيام علَيه، فأهمله ونسيَه واشتغل عنه بِغيره، فإنه يَفسد ولا بد، وهذا حال من أعرض عن ذكر الله، فإن الله يُقيِّض له شيطانًا فهو له قرين، قال تعالى ” وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ” الزخرف: 36. فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَثلُ الذي يَذكرُ ربَّه، والذي لا يَذكر ربَّه مَثلُ الحيِّ والميِّت”. فهذا إنسانٌ ميِّت، وإن كان يمشي بين الأحياء، بخلاف مَن يذكرُ اللهَ ويُكثر من ذِكره؛ فهذا قلبُه يَنبِض بالحياة؛ لأن الذِّكر حياةُ القلب ومادَّتُه التي تُحركه يَقظةً وإنابةً وخوفًا ورجاءً وخُشوعًا ورهبةً ورَغبةً، قال تعالى ” الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ” الرعد: 28.
قال رجل للحسن البصري: “يا أبا سعيد، أشكو إليك قسوةَ قلبي، قال: أَذِبْه بالذِّكر، فكل شيء له صَدأ، وصَدأ القَلب الغَفلة والهوى، وجلاؤه الذِّكر والتَّوبة والاستغفار. فالذكرُ سببٌ للنَّجاة من عذاب الله، ففي “مسند الإمام أحمد” عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما عمِل آدمي قط أنجى له من عذاب الله مِن ذِكر الله عز وجل”. فمَن لازم ذكرَ الله، فإنه سيجد هذا أحوجَ ما يكونُ له عند خروج الرُّوح، وفي قَبره وفى آخرته، فهو غِراس الجنَّة. يقول ابن القيم رحمه الله: “فمَن كان مشغولاً بالله وبذكره ومحبَّته في حال حياتِه، وجد ذلك أحوَج ما هو إليه عند خروج رُوحه إلى الله، ومَن كان مشغولاً بغيره في حال حياته وصحَّته، فيعسرُ عليه اشتغاله بالله، وحضوره معه عند الموت، ما لم تدركه عنايةُ ربِّه، ولأجل هذا كان جديرًا بالعاقل أن يُلزم قلبَه ولسانه ذكرَ الله حيثُما كان لأجل تلك اللَّحظة، والتي إن فاتت شقِيَ شقاوة الأبد، فنسأل الله أن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته”.
الدكتور مسلم اليوسف